الصدوع تحت أقدامنا.. رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي يكشف حقيقة زلزال مصر (خاص)

حين تجلس إلى د. شريف الهادي، لا يمكنك إلا أن تلتقط عدوى ابتسامته الهادئة، التي لا تفارقه، حتى وهو يشرح هزات الأرض.
يفضل الرجل الذي يرأس قسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر، الحقائق المجردة على العناوين المثيرة، ويتكئ على الموضوعية في زمن يلهث خلف "اللايكات" و"التريندات"، حتى ولو كان الثمن بث الذعر في نفوس الناس.
خلال حواره مع " العين الإخبارية" بين التفسيرات العلمية والأسئلة الفضولية، لم يضق ذرعا بسؤال مهما بدا بسيطا. لكنه، في المقابل، لا يخفي انزعاجه ممن يحملون إجاباته ما لا تحتمل، بحثًا عن بريق إعلامي على حساب الدقة.
وفي وجه الموجة المتصاعدة من القلق الشعبي مؤخرا بعد تواتر الشعور بالزلازل، والتي كان أخرها فجر اليوم الثلاثاء، كان صوت د. شريف بمثابة أرض صلبة وسط ارتجاج الشائعات، مؤكدا أن " الزلازل التي تشهدها مصر مؤخرا طبيعية تماما، لا تحمل نُذر الخطر، ولا تشير إلى أي تطورات غير مسبوقة".
وبنبرة لا تخلو من سخرية هادئة، قالها كمن يهمس بعلم إلى من يهوى المبالغة: "لو كنا فعلا في حزام الزلازل، لما نمنا ليلا من كثرة ما ستقوله السوشيال ميديا، فالدول الواقعة في الحزام اعتادت على الزلازل، وصارت جزءا من يومها العادي".
فوبيا صنعتها السوشيال ميديا
كانت البداية من الهزة الأرضية التي سُجلت مساء الأحد في منطقة سقارة غرب محافظة الجيزة، على بعد نحو 8 كيلومترات فقط من المحافظة، وكانت قوتها لم تتجاوز 2.3 درجة على مقياس ريختر، وهي، بحسب وصفه "هزة ضعيفة جدًا، لا تُحس عادة".
ومع ذلك، لم يخف دهشته من حالة الذعر التي سادت مواقع التواصل الاجتماعي، وتعجُّب من قول البعض أنهم شعروا بها. وبنبرة يغلب عليها الأسف أضاف "نحن نعلن عن هذه الهزات لأغراض علمية وتوثيقية فقط، لكننا نفاجأ باتصالات كثيرة من مواطنين يدعون الشعور بها، وهذا في أغلبه شعورا غير حقيقيا ، بل فوبيا صنعتها وسائل التواصل الاجتماعي".
وحين سألناه إن كانت هذه الفوبيا ناتجة عن زلزال 1992 المروع، هز رأسه بهدوء وقال: "مر وقت طويل على ذلك الزلزال، ولا أعتقد أنه السبب في حالة الهلع المتجددة، فالسبب الأرجح هو الزلزالان الأخيران اللذان كان مصدرهما جزيرة كريت اليونانية. نعم، شعر بهما البعض، ولم يشعر بهما آخرون، لكنهما عير مؤثران على الإطلاق، لا على البنية التحتية ولا على سلامة السكان".
بين الزلازل الخارجية والمحلية
وشرح بلغة مبسطة كيف أن أغلب الزلازل التي يشعر بها المصريون مصدرها خارج البلاد، مثل الزلزال الذي وقع فجر اليوم الثلاثاء وكان مصدره جنوب تركيا، والزلزالين الذي وقعا يومي 14 و22 مايو، وكان مصدرهما اليونان.
وأوضح أن أغلب ما يشعر بها المصريون من الزلازل خارجية المصدر، تأتي من اليونان الواقعة في "الحزام الزلزالي لشرق المتوسط"، حيث تصطدم الصفيحة التكتونية الأفريقية (التي تشمل مصر وشمال إفريقيا) بالصفيحة الأوراسية (التي تضم أوروبا). هذا التصادم العنيف تحت مياه البحر يولد توترا هائلا يتسبب في زلازل متكررة، خاصة جنوب وغرب اليونان، وعندما تكون الزلازل قوية نسبيا، أي فوق 4.5 أو 5 درجات، تنتقل الموجات الزلزالية عبر قاع البحر إلى السواحل المصرية، ويشعر بها الناس في الإسكندرية ودمياط وأحيانا القاهرة، حسب شدة الزلزال وعمقه".
أما الزلازل المحلية داخل مصر، فهي نادرة، كما يؤكد، ومعظمها يأتي من منطقتي خليج السويس أو خليج العقبة، بسبب النشاط التكتوني المرتبط بتكون البحر الأحمر، وهو نشاط طبيعي لا يشكل عادة أي تهديد.
وفي هذا السياق، تحدث عن زلزال 1992 الذي وقع في دهشور، وقال إن تلك المنطقة شهدت فقط زلزالين خلال نحو 150 عاما، مما يعني أنها ليست نشطة زلزاليا بطبيعتها، بل إن الزلازل فيها مفاجئة، نتاج طبيعي لصدوع الأرض. "فكما تقول الآية الكريمة: (والأرض ذات الصدع)، أي أننا نعيش في هذه الأرض على صدوع، ومن رحمة الله بمصر أننا لا نملك صدوعا نشطة".
ثم يلتفت بنبرة تجمع بين الجدية والمزاح قائلاً: "أتعجب ممن يزعم أن مصر دخلت حزام الزلازل. أقول لهم: احمدوا ربكم أن هذا غير صحيح، لأنه لو كنا نعيش فعلا في هذا الحزام، لما نمنا ليلا من كثرة ما ستقوله السوشيال ميديا، فالدول التي تعيش هناك مثل اليابان واليونان وأجزاء من تركيا، اعتادت على الزلازل، وبنيتها التحتية أصبحت مهيأة لها، أما نحن، فأغلب التأثيرات التي نشعر بها مصدرها خارج حدودنا".
وختم حديثه بنبرة تعكس بعضا من الحسرة: "حتى الزلزال الأكثر تدميرا في تاريخنا الحديث، زلزال 1992، كانت آثاره لتكون أقل لو كانت البنية التحتية سليمة. الكارثة وقتها لم تكن في الزلزال نفسه، بل في مخالفات البناء".
وبين كل هذا السرد العلمي، تظل ابتسامة العالم الهادئ تحرس المشهد، وكأنها تقول للمصريين: " الأرض تتحرك، نعم، لكنها ليست دائما تهديدا.. فلنسمع العلم لا الشائعات"
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODQg جزيرة ام اند امز