الفيدرالي الأمريكي ومسار الفائدة.. هل يلعب باول بـ«خطة مارادونا»؟
على طريقة لاعب منتخب الأرجنتين الراحل دييغو مارادونا، يواصل رئيس الفيدرالي الأمريكي جيروم باول، مراوغة المستثمرين والأسواق، بتصريحاته عن مسار أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة.
في آخر ظهور عام له قبل إصابته مؤخراً بفيروس كورونا، أكد جيروم باول مجددًا استبعاده لاحتمال رفع الفائدة في الاجتماعات القليلة المقبلة لصناع السياسة بمجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي" على الرغم من الإشارات في بداية العام لتزايد الضغوط التضخمية مرة أخرى.
قبل تشخيص إصابته بكورونا في 17 مايو/أيار 2024 وعزله في المنزل، لوح رئيس الفيدرالي الأمريكي بورقة اقتراب انحسار الضغوط التضخمية، مستبعدًا أن تكون الخطوة المقبلة للفيدرالي هي رفع الفائدة.
وكانت هذه هي المرة الثانية خلال أيام قليلة – الأولى كانت بعد اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح مطلع الشهر الجاري – التي يؤكد فيها "باول" صراحة استبعاده لاحتمال العودة لتشديد السياسة النقدية.
بالتدقيق في التصريحات وتوقيتها، نرى أنها مدفوعة جزئيًا بالرغبة في طمأنة المستثمرين، لكن تبدو أيضًا "مراوغة" أشبه بمراوغات محترفي كرة القدم، والتي تستند بالفعل إلى نظرية نقدية يُطلق عليها اسم "نظرية مارادونا" نسبة إلى نجم المنتخب الأرجنتيني الراحل.
ما هي "نظرية مارادونا" النقدية؟
في العادة، لا توجد هناك علاقة بين اللاعب الأرجنتيني الراحل وبين نظرية السياسة النقدية، لكن أداء مارادونا في مباراة الأرجنتين ضد إنجلترا في مباريات كأس العالم لعام 1986 لخص طبيعة عمل البنك المركزي في العصر الحديث.
كان الهدف المشهور الذي سجله مارادونا، وهو هدف كان يجب أن يلغيه الحكم، حيث اشتهر هذا الهدف بأنه كان "معجزة"، كان دلالة على الطبيعة التقليدية القديمة للبنك المركزي. ولكن الهدف الثاني كان الأكثر إثارة ودهشة، حيث ركض مارادونا على بعد 60 ياردة من نصف ملعبه متجاوزاً 5 منافسين رغم أنه سار في خط مستقيم، وهو مثال على الممارسات الحديثة في البنك المركزي.
نجح "مارادونا" في التقدم من خلال خداع المدافعين وجعلهم يعتقدون أنه سيغير اتجاهه، وفي النهاية سجل هدفًا دون أن يضطر إلى القيام بذلك فعلًا، وبالنسبة للورد "كينج"، كان هذا الدرس الذي يتعين على محافظي البنوك المركزية تعلمه، حسبما أوردت تقارير نشرها صحف ومواقع عالمية، مثل "فايننشال تايمز"، و"الإيكونوميست".
وقد خلص كينج إلى أنه من الضروري على صناع السياسات النقدية القيام بتوجيه توقعات المستثمرين بشأن أسعار الفائدة في المستقبل ببراعة كافية، في وقت يمكن فيه تحقيق هدف التضخم من دون تغيير السعر الرسمي للفائدة على الإطلاق؛ حيث تتفاعل أسعار الفائدة في السوق مع ما يُتوقع من البنك المركزي أن يفعله، مما يمنح البنوك المركزية قوة هائلة للتأثير على الأسواق دون الاضطرار فعليًا إلى اتخاذ خطوات كبيرة في السياسة.
وظلت نظرية "مارادونا" مهيمنة لفترة طويلة منذ ذلك الحين، لكن بعد الأزمة المالية العالمية، ومرة أخرى خلال جائحة "كوفيد- 19"، حيث ظلت أسعار الفائدة لفترات طويلة قريبة من الصفر، فيما سعى المسؤولون إلى تحفيز اقتصاداتهم، قال البعض إن النظرية لم تعد فعالة.
لكن مع عجز البنوك المركزية عن إجبار أسعار الفائدة قصيرة الأجل على الانخفاض أكثر، لجأ كثيرون إلى حل أشبه بنظرية "مارادونا"، وذلك عن طريق طمأنة المستثمرين إلى أنهم لا يعتزمون رفع الفائدة في أي وقت قريب.
- بخلاف الفائدة الأمريكية.. 4 أسباب وراء تراجع أسعار النفط
- الرسوم الأمريكية على منتجات الصين.. إزالة للمخاطر أم انفصال كامل؟
هل يلجأ الفيدرالي الأمريكي لـ"نظرية مارادونا"؟
في يناير/كانون الثاني الماضي، كتب اقتصاديو "بنك أوف أمريكا" في مذكرة، أن نظرية "مارادونا" لأسعار الفائدة "ما زالت حية ومفعمة بالحيوية"، مشيرين (وذلك قبل بيانات التضخم المحبطة في الربع الأول) إلى أن الفيدرالي يعتمدها في معركته للسيطرة على ارتفاع الأسعار.
وذكر الاقتصاديون: "وجد الفيدرالي الأسباب المثلى لعدم التحرك بقوة، وهذه هي الطريقة التي تدير بها البنوك المركزية السياسة النقدية في بعض الأحيان، فمن خلال جعل الأسواق تعتقد بأنها ستتحرك في اتجاه معين، فإنهم يسمحون لها بأن تجري عملية التيسير/التشديد بالنيابة عنها".
محضر الفيدرالي الأخير.. للتضخم رأي آخر
في 22 مايو/أيار 2024، أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي محضر اجتماع السياسة النقدية الذي عقد في الفترة من 30 أبريل إلى 1 مايو، وجرى خلاله تثبيت سعر الفائدة عند نطاق يتراوح بين 5.25% و5.50% بالإجماع.
وأظهر محضر اجتماع البنك المركزي الأمريكي، تخوف صناع السياسات بشأن الوقت المناسب لتخفيف السياسة النقدية، وأعرب أعضاء اللجنة عن قلقهم من لجوء المستهلكين إلى أشكال تمويل أكثر خطورة لتغطية نفقاتهم مع استمرار الضغوط التضخمية.
ولاحظ المشاركون أنه على الرغم من تراجع التضخم خلال العام الماضي، إلا أنه لم يكن هناك في الأشهر الأخيرة أي تقدم إضافي نحو هدف اللجنة البالغ 2%، حيث أظهرت البيانات الشهرية الأخيرة زيادات كبيرة في مكونات تضخم أسعار السلع والخدمات.
وأشار مسؤولو الفيدرالي في الاجتماع إلى العديد من المخاطر الصعودية للتضخم، وخاصة من الأحداث الجيوسياسية، وأشاروا إلى الضغط الذي يسببه التضخم للمستهلكين، وخاصة أصحاب الدخول الأدنى، ما يضر بالقوة الشرائية للأسر.
يأتي ذلك مع تراجع توقعات الأسواق لخفض أسعار الفائدة هذا العام، بعد تثبيتها خلال 6 اجتماعات متتالية، منذ رفع تكاليف الاقتراض في يوليو/تموز 2023.
ربما ما يفعله الاحتياطي الفيدرالي الآن، هو مجرد إعادة تشكيل للتوقعات من أجل توجيه المستثمرين بشكل غير مباشر نحو هدفه، لكن الظروف (البيانات الاقتصادية على رأسها التضخم) قد يكون لها رأي آخر مع أي مفاجأة تحملها للأسواق.
aXA6IDMuMTQ3LjUzLjkwIA== جزيرة ام اند امز