زيارة نيكسون للصين.. أسبوع غير العالم
في أسبوع مماثل قبل 50 عاما زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون الصين، في خطوة كانت إيذانا بانتهاء المقاطعة الدبلوماسية بين البلدين.
ووفقا لتقرير مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، كانت الزيارة، التي جرت في الفترة من 21 إلى 28 فبراير/ شباط 1972، بين أبرز الأحداث الدبلوماسية النادرة التي أدهشت العالم في التاريخ الدبلوماسي الحديث.
وتشير المجلة إلى أن الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل في نوفمبر/ تشرين الثاني1977، والتي أنهت المقاطعة الدبلوماسية لإسرائيل، هي الزيارة الوحيدة التي تتشابه وزيارة نيكسون في تحقيقها إنجازا دبلوماسيا ضخما وبداية لعلاقة ناشئة بين خصمين سابقين.
وغيرت زيارة نيكسون طبيعة الحرب الباردة. فباتباعها سياسة الانفتاح تجاه الصين، كانت الولايات المتحدة قادرة على المناورة بين القوتين الشيوعيتين. وخلق الانفتاح في العلاقات وضعا، على حد تعبير كيسنجر، كان فيه الاتحاد السوفيتي والصين الشيوعية أكثر بعدا عن بعضهما البعض أكثر من أي منهما عن الولايات المتحدة.
جاءت زيارة نيكسون في أعقاب اجتماع سري بين مستشار الأمن القومي الأمريكي هنري كيسنجر ورئيس الوزراء الصيني، تشو إن لاي، في يوليو 1971.
ويشير التقرير إلى أن العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين انقطعت عقب وصول الشيوعيين الصينيين إلى السلطة عام 1949، لاعتراف واشنطن بالحكومة القومية في تايبيه، تايوان، باعتبارها الحكومة الصينية الشرعية.
وبلغ العداء بين الولايات المتحدة والصين ذروته خلال الحرب الكورية (1950-1953) عندما تقاتل البلدان.
لكن العداء المتزايد بين القوتين الشيوعيتين، الاتحاد السوفيتي والصين، والذي أدى بعد ذلك إلى اشتباكات مسلحة بينهما في شتاء عام 1969، أتاح فرصة للولايات المتحدة لمحاولة التقارب مع منافستها الصين.
خطوات التقارب بدأت قبل انتخاب نيكسون، الذي كتب مقالاً عن الشؤون الخارجية عام 1967 أكد فيه أن الصين الشيوعية دولة مهمة للغاية لا يمكن تهميشها في النظام الدولي.
وعقب أن أصبح نيكسون رئيسًا، شرع كيسنجر في استكشاف إمكانية ذوبان الجليد الدبلوماسي مع الصين الشيوعية. وبعد عدد من المحاولات الفاشلة، توسطت الحكومة الباكستانية، التي حافظت على روابط وثيقة مع كلا البلدين، في المفاوضات، مما أدى في النهاية إلى زيارة كيسنجر السرية إلى الصين، وبالتالي إلى زيارة نيكسون الرسمية.
وترى المجلة أن القيام بزيارة رئاسية رسمية بعد مدة الطويلة كتلك يصعب تكرارها في الوقت الحاضر، خاصة مع دولة لا تربط الولايات المتحدة معها علاقات دبلوماسية. لكن نيكسون وصف زيارته بأنها "الأسبوع الذي غير العالم"، وهو ما يعكس وجهة النظر المعاصرة بأن الزيارة كانت نقطة تحول فريدة في تاريخ العلاقات الدولية. وهو ما قاله أيضا بعد خمسين عامًا.
بعد زيارة نيكسون، كان على الولايات المتحدة أن تحقق توازنًا دقيقًا بين التزامها الأخلاقي تجاه تايوان ومصلحتها الواقعية في إقامة روابط أوثق مع الصين الشيوعية. وقد أدى ذلك إلى حالة من الغموض الدبلوماسي، مثل بيان شنغهاي الذي نُشر في نهاية زيارة نيكسون الرسمية للصين، والذي ذكرت فيه الولايات المتحدة أن "جميع الصينيين على جانبي مضيق تايوان يؤكدون أنه لا توجد سوى صين واحدة".
وترى "ناشيونال إنترست" أن نيكسون لم يكن يعتبر الصين الشيوعية أكثر استنارة سياسياً من الاتحاد السوفيتي. ولذا فقد تأسست المبادرة الأمريكية على اعتقاد قوي بأن الصين الشيوعية باتت طرفًا دوليًا مهمًا للغاية بحيث لا يمكن تركها على هامش السياسة الخارجية للولايات المتحدة. كذلك اعتقد نيكسون أن هناك حاجة إلى التقارب مع الصين الشيوعية، التي كانت على خلاف مع الاتحاد السوفيتي، في سياق الحرب الباردة والنظام الدولي ثنائي القطب السائد.
ودفعت هذه السياسة الاتحاد السوفيتي إلى اتخاذ موقف أكثر مرونة تجاه الولايات المتحدة لمنع المزيد من التقارب مع الصين الشيوعية، حيث وافقت موسكو على الحد من ترسانتها النووية، والانضمام إلى معاهدة مشتركة مع الولايات المتحدة لتنظيم ذلك، وهو الأمر الذي كان يرفضه القادة السوفييت في وقت سابق. كذلك فإن الزيارة أسست لاحقاً لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين أمريكا والصين في عام 1979.