الصين وهموم المناخ المزعجة.. وعود أحرقها الفحم
فتح العالم خزائنه على مصراعيها لمواجهة تغير المناخ وخفض انبعاثات الكربون، بينما رفعت الصين طاقتها الإنتاجية من الفحم للحالة القصوى.
ورضخت الصين مؤخرا لنقص إمدادات الطاقة بإعلانها زيادة إنتاج الفحم بالطاقة القصوى لحماية المصانع، الأمر الذي أثار دهشة العالم من تجاهل ثاني أكبر اقتصاد في العالم لتحديات التغير المناخي، ومحاولات خفض انبعاثات الكربون.
وكثيرا ما انتقد الرئيس جو بايدن الصين ورئيسها شي جين بينج "لعدم الاضّطِلاع بموقف قيادي بشأن خفض انبعاثات الكربون".
وأعلنت بكين أنّها ستساعد المحطّات الحرارية العاملة بالفحم على بلوغ طاقتها الإنتاجية القصوى، في قرار أثار المزيد من القلق بشأن مصير تعهدات بكين المناخية.
وأصيب العديد من القطاعات في ثاني أكبر اقتصاد في العالم بالشلل العام الماضي بسبب نقص في الإمدادات الكهربائية نتج جزئياً عن انخفاض إمدادات الفحم في ظل ارتفاع الأسعار العالمية للوقود الأحفوري.
وتعتبر الصين أكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة المسؤولة عن تغيّر المناخ، وقد تعهّدت أن تصل انبعاثاتها إلى ذروتها بحلول عام 2030 على أن تصبح محايدة للكربون بحلول عام 2060.
لكنّ إنتاج الفحم الحجري ازداد مع نقص الطاقة العام الماضي، ما أثار حالة من عدم اليقين والقلق بشأن هذه الأهداف المناخية.
وقد أعيد تأكيد التركيز على أمن الطاقة والنمو الاقتصادي في اجتماع رفيع المستوى لمجلس الدولة الصيني برئاسة لي كيتشيانغ، على ما ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) الثلاثاء.
وتقرر في اجتماع الإثنين "زيادة إمدادات الفحم ودعم محطات الطاقة التي تعمل بالفحم للعمل بطاقتها الكاملة وتوليد المزيد من الكهرباء" لتلبية الطلبين الصناعي والسكني، بحسب "شينخوا".
وتأتي هذه الخطوة بعد أسابيع من دعوة الرئيس الصيني شي جينبينغ كبار صنّاع السياسة إلى ضمان ألا يضر تقليل الانبعاثات بالنمو الاقتصادي وأمن الطاقة، وهو ما يعتبر على نطاق واسع أنه إشارة للحدّ من القيود المفروضة على قطاع الفحم.
تحديات تهدد وعود الصين
ويسهم الاقتصاد الصيني بنسبة تصل إلى 30% من الانبعاثات الكربونية العالمية بسبب اتساع نطاق القاعدة الصناعية في البلاد، ومن ثم فإن وفاء بكين بالتزاماتها الدولية فيما يتعلق بالحد من تلك الانبعاثات يحمل قدراً كبيراً من الأهمية.
وقال الباحثان هنري لي، مدير برنامج البيئة والموارد الطبيعية في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية التابع لكلية هارفارد كينيدي، ودان شراج، المدير المشارك لبرنامج العلوم والتكنولوجيا والسياسة العامة التابع للمركز نفسه، في تقرير نشرته مجلة "ناشيونال إنتِرِست" الأمريكية أن العلاقة بين الصين والولايات المتحدة اتسمت في السنوات القلائل الماضية بتصاعد التوترات الجيوسياسية حول تايوان وبحر الصين الجنوبي وحقوق الإنسان ومجموعة من النزاعات التجارية.
وقد يبدو التعاون والتنسيق بين البلدين بمثابة أضغاث أحلام. ومع ذلك، هناك مسألة واحدة تتداخل فيها مصالح البلدين كليهما بوضوح، وهي تغير المناخ.
ويرى الباحثان أن ارتفاع درجة حرارة العالم بـ3 درجات مئوية من شأنه أن يلحق الضرر باقتصادي الولايات المتحدة والصين ونسيجهما الاجتماعي، وهي النتيجة التي يريد البلدان تجنبها.
وفي المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي (كوب26)، وجه الرئيس جو بايدن انتقادا مباشرًا إلى الصين ورئيسها شي جين بينج "لعدم الاضّطِلاع بموقف قيادي بشأن خفض انبعاثات الكربون".
يذكر أن الصين، استجابة لنقص إمدادات الطاقة مؤخراً، زادت إنتاجها واستهلاكها من الفحم للحفاظ على اقتصادها مفتوحاً وتوفير التدفئة لشعبها هذا الشتاء.
ومع ذلك، فإن التقدم الذي أحرزته بكين نحو خفض الكربون مثير للإعجاب، لا سيما في معدل بناء الطاقة المتجددة واعتماد المركبات الكهربائية.
الصين.. 5 مبادئ و10 تدابير
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، أصدر مجلس الدولة الصيني خريطة طريق تتضمن خمسة مبادئ وعشرة تدابير، بما في ذلك أهداف انبعاثات الكربون لأعوام 2025 و2030 و2060. وتعهد بتوفير 1200 جيجاوات من الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2030. وإذا ما تحققت هذه القدرة على الطاقة المتجددة، فإنها ستكون أكبر من إجمالي القدرة الحالية لتوليد الكهرباء في الولايات المتحدة.
يشار إلى أن كل إقليم في الصين تقريباً لديه فريق عمل يقوم بوضع سياسات وبرامج لتنفيذ خريطة طريق مجلس الدولة. لكن مجرد نشر مصادر الطاقة المتجددة لن يكون كافياً. بل ستكون هناك حاجة إلى مجموعة من تكنولوجيات الطاقة الأخرى.
وحالياً تقوم الصين باستثمارات مبكرة في استراتيجيات متعددة، من تخزين الطاقة والوقود الحيوي، إلى كفاءة الطاقة والطاقة النووية.
تحديات تواجه الصين
ومع ذلك، وكما جاء في كتاب "أسس نظام الطاقة منخفض الكربون" الذي صدر مؤخرا، تواجه الصين أيضاً تحديات كبيرة في تحقيق تطلعاتها المناخية.
فالصين لا تزال ملتزمة بإدارة قطاع الطاقة لديها من خلال عدد قليل من الشركات الحكومية الكبرى، التي تمولها بضعة بنوك حكومية كبيرة، وتشرف عليها بعض هيئات الدولة الكبيرة.
وفي حين أنها دعمت عدداً قليلاً من المشاريع الرائدة القائمة على السوق في قطاع الكهرباء، فإن هذه المشاريع محدودة للغاية. وتحت قيادة دنج شياو بينج، أصبحت الصين اقتصاد سوق مع الاحتفاظ بسمات التخطيط المركزي. لكن الطاقة ظلت استثناءً، إذ يهيمن عليها عدد قليل من الشركات الحكومية الاحتكارية، التي تستجيب للمؤسسة السياسية في بكين أكثر من استجابتها للسوق. ويقول الباحثان الأمريكيان «يبقى أن نرى ما إذا كان هذا النظام قادراً على إجراء الإصلاحات اللازمة لتحقيق أهداف الصين، أو ما إذا كان يتعين على الصين إعادة هيكلة نظام الكهرباء لديها".
وثمة تحد آخر هو موثوقية الشبكة الكهربائية. فإذا كانت الصين تعمل على توفير 1200 جيجاوات من مصادر الطاقة المتجددة، فكيف ستحافظ على الموثوقية عندما لا تهب الرياح، أو عندما لا تشرق الشمس؟ كما أن البلاد لديها إمدادات محدودة من الغاز الطبيعي، ومعظم توليد الطاقة الكهرومائية في الجنوب.
ويتعلق التحدي الثالث بالضغط السياسي من جانب العمال الصينيين. فصناعات الوقود الأحفوري القائمة توفر ملايين الوظائف في الاقتصاد الصيني، وتقع بشكل غير متناسب في عدد قليل من الأقاليم. ويعني وقف هذه الصناعات لخفض انبعاثات الكربون حتما اضطرابات كبيرة وهجرة، وتفتقر الصين إلى البرامج الحكومية للتعامل مع أي منهما.
وتاريخياً، وفرت الشركات المملوكة للحكومة الصينية شبكة أمان اجتماعي، لكن هذه الشركات تواجه انخفاض الإيرادات وارتفاع التكاليف، مما يضع العبء مباشرة على كاهل الحكومة المركزية.
ولأن الاقتصاد الصيني مسؤول عن ما يقرب من 30% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالمية، فإن العالم بأسره له مصلحة في أن تفي الصين بالتزاماتها المناخية.
وسوف يتطلب النجاح إصلاحات حاسمة في الكيفية التي تدير بها الصين نظام الطاقة. لقد اتخذت الصين الخطوات الأولى على طريق وقف انبعاثات الكربون، لكن لن تتغلب تكنولوجيا الطاقة وحدها على التحديات السياسية في الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060، شأنها في ذلك شأن الولايات المتحدة.
تكلفة مواجهة التغير المناخي
اقترح صندوق النقد الدولي ومقره في واشنطن إطلاق صندوق إقراض بقيمة 50 مليار دولار، يركز على تغير المناخ، ضمن مبادرة تنفذ خلال العام.
قال ألوك شارما رئيس الدورة الـ26 من مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، في يناير/كانون الثاني الماضي، "نجحنا اليوم في تأمين 130 تريليون دولار من الأصول المخصّصة لتحقيق أهداف الحياد المناخي بحلول العام 2050".
قال جون كيري، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون المناخ، في تصريح له أثناء أسبوع أبوظبي للاستدامة خلال يناير/كانون الثاني الماضي، إن زيادة معدل الانبعاثات يضع المناخ في وضع حرج، وعلينا التحرك سريعا لمنع ارتفاع حرارة الأرض 1.5 درجة إضافية.
وتابع: "علينا العمل لمنع تسرب غاز الميثان والذي يعد من أكثر غازات الدفيئة خطورة"، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة تواجه عجزا بنحو 100 تريليون دولار لمكافحة الفقر وتغير المناخ ولا توجد حكومة على مستوى العالم قادرة على مواجهة التحديات وحدها.
خسائر التغير المناخي
وفقا لتقديرات الخبراء ففي الفترة من عام 1970 حتى الوقت الحالي شهدت خسائر تعرضت لها دول العالم نتيجة مثل هذه الظواهر الطبيعية الناجمة عن التغير المناخي، تقدر بنحو 3.6 تريليون دولار.
ويقدر الرقم السنوي للتكاليف الخاصة بالتعامل مع التغيرات المناخية، وصولا إلى عام 2030 بما بين 150 إلى 300 مليار دولار سنويا، كما سيرتفع هذا الرقم بحسب التقديرات في عام 2050 ليصبح بين 280 لـ500 مليار دولار سنويا.
وفي عام 2021 وحده شهد حدوث 10 كوارث عالمية كبرى حول العالم، وصلت خسائرها إلى أكثر من 170 مليار دولار، لذلك فنحن أمام ظاهرة أصبحت خطيرة جداً تهدد الجنس البشري.
aXA6IDMuMTQ0LjQ2LjkwIA== جزيرة ام اند امز