فيلم «اللي باقي منك» يكسر حاجز الصمت الفلسطيني في مهرجان سندانس
يتناول الفيلم قصة ثلاثة أجيال فلسطينية هجّرت من يافا عام 1948، مقدماً سرداً سينمائياً يحمل أبعاداً إنسانية عميقة،ويشارك ضمن فعاليات مهرجان سندانس للأفلام المستقلة، في واحد من أبرز العروض التي تسلط الضوء على القضية الفلسطينية.
خلال عرض فيلمها "اللي باقي منك" في مهرجان سندانس السينمائي الأمريكي، تحدثت المخرجة شيرين دعيبس عن التحديات التي واجهتها في إنجاز العمل، مشيرة إلى أن صناعة الأفلام بشكل عام صعبة، لكنها أكثر تعقيداً حين يكون الفيلم فلسطينياً. الفيلم، الذي يعد من الإنتاجات القليلة التي تحظى بهذا الزخم في الغرب، يروي قصة عائلة فلسطينية طُردت من مدينتها يافا عام 1948، وانتقلت للعيش في الضفة الغربية.
وأوضحت دعيبس أن العمل على هذا الفيلم كان معقداً من الناحية الإنتاجية، إذ كان إيجاد التمويل عقبة أساسية أمام المشروع، قائلة: "أعتقد أن البعض كان متردداً أو خائفاً من دعم هذه القصة". ورغم ذلك، تمكّن الفيلم، الذي بلغت ميزانيته بين خمسة وثمانية ملايين دولار، من الوصول إلى المهرجان، ليكون واحداً من الأعمال القليلة التي تتناول القضية الفلسطينية وتصل إلى جمهور عالمي واسع.
استندت المخرجة في كثير من مشاهد الفيلم إلى تجارب شخصية لعائلتها، مما أضفى طابعاً حميمياً على السرد. من بين هذه المشاهد، صورة الأب الذي يتعرض للإهانة على يد جندي إسرائيلي أمام ابنه، وهو موقف مأخوذ من ذكريات دعيبس عندما كانت طفلة تزور الضفة الغربية برفقة والدها. استرجعت هذه اللحظة قائلة: "رأيت والدي يُهان عند نقاط التفتيش، وكان يواجه الجنود الذين صرخوا عليه. كنت متأكدة أنهم سيقتلونه".
ورغم الطابع الشخصي للقصة، أكدت دعيبس أن الفيلم ليس عملاً سياسياً بحتاً، لكنه لا يمكن أن يكون منفصلاً عن السياسة، قائلة: "لا يمكننا أن نروي قصصنا دون المرور عبر سياقاتها السياسية، لكن علينا أيضاً أن نكون قادرين على مشاركة تجاربنا العائلية والإنسانية دون الحاجة إلى الرد على الهجمات". وأضافت أن صناع الأفلام الفلسطينيين غالباً ما يشعرون بالخوف قبل حتى أن يشرعوا في رواية قصصهم، وهو ما يعكس الضغوط التي تواجههم في نقل واقعهم إلى الشاشة.
خلال التصوير، وجدت دعيبس نفسها مضطرة إلى مغادرة الضفة الغربية بعد اندلاع هجمات 7 أكتوبر 2023، حيث قالت: "كان علينا الرحيل، وكان الأمر محزناً أن نترك طاقم العمل الفلسطيني خلفنا"، مضيفة أن الجميع كان متحمساً للعمل على فيلم يقدم رواية فلسطينية ضمن سياق تاريخي مهم. نظراً للظروف، تم تصوير المشاهد التي كان من المفترض أن تتم في فلسطين في مواقع بديلة بالأردن وقبرص واليونان، لكنها حملت روح المكان الأصلية، ما ساهم في الحفاظ على المصداقية البصرية للعمل.
إلى جانب "اللي باقي منك"، شهد مهرجان سندانس عرض فيلم وثائقي آخر بعنوان "لا أرض أخرى"، من إخراج الفلسطيني باسل عدرا والإسرائيلي يوفال أبراهام، والذي ترشح لنيل جائزة الأوسكار، حيث يتناول موضوع الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة. ورغم ترشحه لجائزة مرموقة، لم يجد الفيلم حتى الآن موزعاً أميركياً، مما يعكس التحديات التي تواجه الأفلام التي تتناول القضية الشائكة في الساحة السينمائية الدولية.
كما شهد المهرجان عرض الفيلم الفلسطيني "كو اكزيسنتس ماي آس"، الذي يتناول الناشطة الإسرائيلية نوعم شوستر إلياسي، التي تحولت إلى فنانة كوميدية تنتقد الهجمات العسكرية الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية. وفي هذا السياق، أشارت المخرجة الكندية أمبر فارس إلى أن قطاع السينما بحاجة إلى إعادة النظر في طبيعة الأفلام التي يتم عرضها، مؤكدة أن هناك جمهوراً متعطشاً لمشاهدة مثل هذه الأعمال التي تسلط الضوء على الواقع الفلسطيني. من جانبها، علقت دعيبس قائلة: "خلال السنوات الأخيرة، بدأ الناس يدركون غياب قصصنا عن السينما السائدة"، مؤكدة أن الأفلام الفلسطينية تشهد تطوراً في حضورها العالمي، رغم العقبات التي تواجهها.