مدير مستشفى 57357: الأزمة المالية خفّضت 20% من عدد المرضى (حوار)
لا صوت يعلو في مصر على أزمة مستشفى "57357" لعلاج الأطفال مرضى السرطان بالمجان، وتضرره من الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وكشف الدكتور معتز الزميتي، المدير الطبي للمستشفى، عن عدم تراجع التبرعات لصالح 57357، مؤكدًا أن الأزمة تكمن في ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه المصري.
وقال "الزميتي"، في حوار مع "العين الإخبارية"، إن المستشفى بحاجة إلى توسعات، ومنها زيادة عدد أسرة زراعة النخاع من 9 إلى 30 سريراً، ومن شأن هذا أن يرفع نسبة الشفاء بنحو 10%.
وأكد نائب المدير العام للشئون الطبية أن المستشفى اضطر أمام الأزمة المالية الأخيرة إلى تخفيض عدد الأطفال الذين يستقبلهم، وانخفض عدد الحالات بنسبة 20% عن 2021. وإلى نص الحوار:
- بدايةً.. ما أبعاد الأزمة المالية الأخيرة؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من الإشارة إلى أن المستشفى يعالج الأطفال ويحصل على المقابل في صورة تبرعات، فالمريض لدينا لا يدفع، ولكن المتبرع هو مَن يقوم بالدفع، ورحلة علاج السرطان طويلة جدًا، سرطان الدم "اللوكيميا" على سبيل المثال - بدون حساب المضاعفات أو زرع النخاع- قد يستغرق 3 سنوات و3 شهور.
بالنسبة للأزمة الأخيرة، التبرعات لم تتأثر ولم تتراجع، ولكن تكلفة التشغيل والمستلزمات الطبية هي التي ارتفعت بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، لذا نحن بحاجة إلى توسيع قاعدة المتبرعين وزيادة التبرعات، فنحن مستشفى قائم على التبرعات، ونعتمد على نسبة الشفاء، وهذه تتحدد وفقا لعوامل كثيرة، منها الخدمات المقدمة للمرضى.
- لماذا ترتفع نفقات "57357" مقارنة بغيره من المستشفيات الخيرية؟
هناك مثل إنجليزي يقول "قارن التفاح بتفاح"، ولمقارنة تكاليف التشغيل في "57357" لا بد أن نقارنها بمستشفى متخصص في علاج الأطفال مرضى السرطان، ويمكننا المقارنة مع أشهر مركز متخصص لعلاج الأطفال مرضى السرطان في العالم وهو مستشفى "سانت جود" في أمريكا، وهو الذي ألهم مؤسسي "57357" إنشاء هذا الصرح الطبي في مصر، والحمد لله نحن تفوقنا عليهم في بعض الجوانب، مثل عدد الأسرة.
حساب متوسط تكلفة علاج مريض السرطان مسألة متغيرة جدًا؛ فقد يكلفك مريض 600 ألف جنيه في حين قد يكلفك مريض آخر بنفس التشخيص 3 ملايين جنيه، ولا أحد في العالم يقدر على وضع ميزانية لعلاج مريض السرطان؛ لأن استجابة المريض والمضاعفات تختلف، وهناك مريض يحتاج لزرع نخاع، لذا لا يجوز مقارنة مصاريف 57357 بمصاريف مركز "مجدي يعقوب" أو مستشفى "الناس" أو حتى مؤسسة "بهية"؛ لأن الأخيرة متخصصة في علاج أورام الثدي، ولهذا تختلف آلية العلاج، كما أن مريض السرطان يختلف عن مريض القلب الذي يحتاج غالبًا إلى تدخل جراحي؛ وهذا لأن مريض السرطان عادة ما يحتاج إلى علاج كيماوي أو إشعاعي ويخضع لبروتوكول علاج.
وعلى ذكر المصروفات، جراحة مثل زراعة النخاع تعتبر الأمل الأخير لبعض المرضى، فقد يخضع مريض لبروتوكول علاج ولا ينجح فيحتاج إلى زرع نخاع، ونحن لدينا في المستشفى 9 أسرة لزرع النخاع، بينما نحتاج إلى 30 سريرا، وإذا وصلنا إلى هذا الرقم سترتفع نسبة الشفاء من 7 إلى 10% بإذن الله.
دورنا لا يقتصر على علاج المرضى فقط، ولا يقتصر على استقبال الـ3 آلاف مريض سنويًا، فلدينا التزام بجانب استقبال المرضى وزيادة القدرة الاستيعابية وهو مواكبة كل جديد، خاصة إذا كان سيزيد من كفاءة العلاج ونسبة الشفاء، وعلى سبيل المثال لدينا خدمة حديثة وهي تقنية "سايبر نايف"، ويمكن تسميتها تجاوزًا "الجراحة الإشعاعية"، هي ليست جراحة وليست علاجًا إشعاعيًا، ولكنها مهمة للغاية في بعض أنواع السرطان التي لا يناسبها العلاج الإشعاعي أو التدخل الجراحي، وهذه الخدمة تعالج بعض أورام المخ والبروستاتا بدقة عالية جدًا وبمعدلات أمان أعلى بكثير من الجراحة، فلماذا أحرم المريض منها؟! وهذا المشروع بالإضافة إلى كونه يزيد نسبة الشفاء يعد وقفًا خيريًا.
عدد ملفات المرضى النشطين في المستشفى يبلغ 19 ألف ملف، منهم 7 آلاف و500 مريض يخضعون لبروتوكولات علاج، والباقي متابعات، وكما قلت مريض "اللوكيميا" يستغرق علاجه أكثر من 3 سنوات، وبالتالي احتياجي للتبرعات لن يقل أبدًا، بل يزيد باستمرار، وكلما زاد رأسمال المستشفى سنواكب كل ما هو جديد ومتطور.
لا وجود للرفاهيات في "57357"، مكتب الدكتور شريف أبو النجا، مدير المستشفى والرئيس التنفيذي لمجموعة "57357"، بسيط للغاية، ومكتبي أنا كما ترى بسيط أيضًا، الأثاث تقليدي جدًا، مجرد خشب، ومنذ البداية كنا نستهدف موادًا بسيطة تحقق الاستدامة، أما عن هدف الوصول إلى أفضل خدمة علاجية فهذا لا يعد رفاهية، ولكنه واجب، والحيد عنه جريمة في رأيي الشخصي.
- ما متوسط تكلفة علاج مريض السرطان في "57357"؟
الطفل المريض بالسرطان يتكلف لدينا في المتوسط من 30 إلى 50 ألف دولار، وفي مركز "سانت جود" الأمريكي يبلغ متوسط تكلفة علاج الطفل مريض السرطان 425 ألف دولار، ولهذا تصل نسبة الشفاء في "سانت جود" إلى 83%، في حين تصل لدينا إلى 71.8%.
- عودة للأزمة المالية.. هل اتخذتم تدابير للمواجهة؟
بالفعل، قررنا تقليل عدد المرضى بسبب الظروف الاقتصادية الأخيرة، وعدد الحالات التي استقبلناها العام الماضي وصل إلى 3300 حالة، وهذا الرقم انخفض بنسبة 20% أو بمعدل 700 حالة هذا العام، وهنا يجب القول بأن التزامنا دائمًا هو "نعالج صح، مش هنعالج كام"، نحن نستهدف الجودة وليس عدد الحالات.
- برأيك.. ما سبب الضجة الأخيرة حول المستشفى؟
القيل والقال حول المستشفى لا يتوقف، وموجود منذ عام 2016، وبلغ ذروته عام 2018 مع الحملة الشهيرة. هذا الأمر لا يتوقف، ومتواجد باستمرار، ولكنه يسير في منحنى، ومؤخرا كان المستشفى "تريند"، وكان هناك رأي ورأي آخر، وكما الحال مع جميع التريندات، يصعد التريند فيبرز الإيجابي والسلبي، هذا أمر طبيعي جدًا من وجهة نظري.
- بعد وصول الأزمة المالية للإعلام.. هل لمستم تحسنًا في حجم التبرعات؟
بالفعل، حجم التبرعات ارتفع منذ وصول الأزمة إلى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وقدومكم إلى المستشفى يعد نوعًا من الدعم.
- مع قرب حلول شهر رمضان.. هل ستواصلون الحملة الإعلانية؟
هذا ليس من اختصاصي، ولكن حملتنا الإعلانية مستمرة بالتأكيد.
- هل هناك معايير لقبول المرضى في "57357"؟
57357 مستشفى أطفال، إذن لا بد أن يكون المريض طفلًا، والطفل في القانون المصري هو كل شخص دون 18 سنة، كما أننا مستشفى سرطان وليس أورام؛ لأن بعض الأورام غير سرطانية أو حميدة، ونشترط ألا يكون المريض قد خضع لبروتوكول علاج خارج المستشفى، فأفضل شيء لمريض السرطان إذا كان قد بدأ بروتوكول علاج في أي جهة هي أن يكمل البروتوكول، والمريض الذي بدأ العلاج في الخارج كانت لديه فرصة للعلاج فلماذا يأتي ويأخذ فرصة مريض آخر لم يحصل على أي فرصة بعد؟ المستشفى هنا محدود بطاقة استيعابية، وهذا أمر لا يتوقف حسابه على عدد الأسرة فقط، بل يعتمد على عوامل كثيرة منها توفر الأدوية والأموال وغرف العمليات وغيرها.
في "57357" نراعي الفصل التام بين قائمة الانتظار وتأكيد التشخيص، ولدينا عيادات للكشف المبدئي، ولها نظام تابع للإدارة ولكنه خارج المستشفى، حتى لا يشكل عبئًا على العيادات الخارجية التي تقوم بتشخيص المريض، وعيادات الكشف المبدئي هذه تعتبر أول مرحلة في رحلة علاج المريض.
- كم عدد الحالات المسجلة على قائمة الانتظار؟
هذا أمر متغير باستمرار، ففي بعض الأيام قد يصل الرقم إلى صفر، وقد يصل إلى 90 حالة، وهذا يرجع إلى عدة عوامل، فالمريض الذي يأتي لتلقي الجرعة يشغل سريراً لمدة 5 أيام، وهذا المريض يتلقى علاجًا كيماويًا، وقد يتعرض لمضاعفات، وربما يضطر للبقاء في المستشفى وشغل السرير لمدة شهر أو أكثر.
- ماذا حدث في فرع 57357 بطنطا؟
مقر طنطا كان تابعًا لجمعية الهلال الأحمر، وفي 2015 اتفقنا على تأجير المقر، وقمنا برفع كفاءته وتجهيزاته لكي يناسب المرضى، وكما قلت رحلة علاج السرطان طويلة ومراحلها كثيرة والفحوصات التي يخضع لها المريض معقدة وبعضها متطور جدًا مثل المسح الذري، وهذه الحالات المتطورة لم تكن في مستشفى طنطا، وكان الغرض من ذلك الفرع هو إعطاء جرعات العلاج الكيماوي للمرضى.
إذن العلاج الكيماوي كان الخدمة الوحيدة التي يقدمها فرع طنطا، أما حالات زرع النخاع والجراحات والعلاج الإشعاعي فكانت مقتصرة على مقر القاهرة، وجميع الحالات كانت تأتي إلى القاهرة، وبالتالي يمكننا القول إن فرع طنطا كان للاختصار المشوار على المريض الذي يأتي للحصول على جرعة الكيماوي فقط، ولكن مع ارتفاع التكاليف بسبب كورونا والإجراءات الاقتصادية قررنا سحب جميع المرضى من فرع طنطا إلى القاهرة بعد استفتاءهم، وجميعهم أبدوا الرغبة في الانتقال للقاهرة، وهذا القرار اتخذ لأسباب اقتصادية، وجلسنا مع رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي وقرر مشكورا إسناد الإشراف على الفرع إلى جامعة طنطا بدلًا من إغلاقه تمامًا.
- ما مراحل علاج مريض السرطان داخل المستشفى؟
بعد تلقي جميع الجرعات والانتهاء من البروتوكول، نتابع المريض لمدة 5 سنوات، لأن 99.9% من حالات الارتداد (عودة المرض) تحدث خلال هذه الفترة، وهذا ما اضطررنا إليه مؤخرًا، وقبل الأزمة كنا نتابع الحالة مدى الحياة، وكانت الحالة تحضر إلى المستشفى مرة في السنة، ولدينا عيادات ما بعد الشفاء، وهي مخصصة لمراقبة الأثر طويل المدى للعلاج والسرطان، وإذا ارتد المرض على الطفل بعد التعافي لا ندعه على قائمة الانتظار، بل يدخل لتلقي العلاج على الفور، وبعد التعافي نجري اتصالًا سنويًا مع الحالة؛ للاطمئنان على حالتها الصحية، وهناك سبب خفي وهو معرفة إذا ما كان الشخص على قيد الحياة أم لا.
لدينا أيضًا فريق "protocol monitor duty"، فلدينا بروتوكولات علاج معتمدة دوليًا ومعدلة لكي تناسب الأطفال المصريين، ولدينا فريق متخصص لمراقبة مدى التزام المرضى ببروتوكولات العلاج، ولدينا أمهر استشاريين لعلاج أورام الأطفال في الشرق الأوسط دون منازع.
وأود الإشارة هنا إلى أننا نطلب من جميع الناجين زيارة المستشفى لبث الأمل للأطفال المرضى ودعمهم، وهذا عامل نفسي لا مثيل له. ولدينا كذلك خدمة جديدة نسبيًا، وهي خدمة معملية لقياس مدى استجابة المريض للعلاج وفقا لعدة عوامل، ونقيس مدى سمية العلاج قبل تقديمه للمريض، وهذا يساعدنا في حالات كثيرة في تعديل بروتوكول العلاج قبل تطبيقه على المريض.
وكما قلت، رحلة علاج مرض السرطان طويلة جدًا، والتزام الطفل المريض والتزام أهله بتعليمات الطبيب والغذاء وغيرها أمر بالغ الأهمية، وإذا لم يكن الطفل مهيأ نفسيًا فسيمتنع عن العلاج وتلقي الجرعة وكذلك الطعام، وإذا لم يأكل الطفل فسيتعرض لسوء تغذية، وقد يتسبب سوء التغذية في موت الطفل، ولهذا كانت الحاجة إلى قسم التأهيل والدعم النفسي "الثيرابي"، واهتمامنا بالجانب النفسي للمريض جزء من العلاج؛ لأن الطفل إذا أصيب باكتئاب - الاكتئاب يصيب الأطفال مثل الكبار - وامتنع عن الطعام فلن يكمل علاجه، ومن المهم جدًا بالنسبة لنا أن يعيش الطفل طفولته، وهذا دورنا أيضًا.