الأحلام الكبيرة لا يحققها أصحاب القدرات المتوسطة، والأهداف شبه المستحيلة لن يصل إليها إلا شخص يعرف كيف يقهر المستحيل.
في منتصف الثمانينيات عندما تولى جاك ويلش رئاسة شركة جنرال إلكتريك كانت الشركة تنمو بصورة ثابتة ومتدرجة ومتسقة مع معدل نمو الاقتصاد الأمريكي، لكن ذاك لم يكن كافياً لجاك، فقدم نموذجه الشهير «كن الرقم واحد أو اثنين أو اخْرُجْ»، الذي عمل على إصلاح أو بيع أو إغلاق أي شركة تابعة أو وحدة إنتاجية لا تستطيع أن تكون الرقم 1 أو 2 في نطاقها، وفعلاً قام ببيع أكثر من 400 شركة وخط إنتاج بقيمة 15 ملياراً، واشترى 600 شركة أخرى تتفق ومعاييره الصارمة بمبلغ 26 مليار دولار، والنتيجة كانت ارتفاع قيمة الشركة بنسبة 4000% لتصبح أكبر شركة وقتها وأعلاها إيراداً!
الأحلام الكبيرة لا يحققها أصحاب القدرات المتوسطة، والأهداف شبه المستحيلة لن يصل إليها إلا شخص يعرف كيف يقهر المستحيل، والتفكير النمطي لا يمكن أن يأتي بنتائج تفوق التوقعات، والنوايا الحسنة لا تكفي وحدها لتجاوز المنافسين، فمن أراد نتيجة مختلفة كماً وكيفاً عما يحققه حالياً لا بد من أن يقوم بعمل مختلف كما ونوعاً أيضاً عما يقوم به حالياً، ومعرفة مكان الخلل والاعتراف بوجوده هما بداية الطريق الصحيح، والتعامل مع الخلل وعلاجه يحتاج إلى أُذن تسمع وليس أُذناً تُسَدُّ بالأصابع، فتجاهل المشكلة لا يحلها وكون من ينصحك «ما يدخل لك من زور» لن يساعدك ومنافسوك يبتعدون عنك كثيراً!
القادة يعرَفون في المواقف الصعبة، والكبار يُعرفون من طريقة تعاملهم مع النصح والتوجيه، فلا يكابر على الخطأ عاقل، ولا يرفض التنبيه لمواقع الخلل غيور على مؤسسته وبلده، ومن يحب بلاده فعلاً مطالب بأن يبحث دون توقف عن أفضل الوسائل لتحسين الواقع لمؤسسته
إن المؤسسات الكبيرة تبدأ بالترنح والسقوط التدريجي عندما تكتفي بالنظر من الداخل للخارج، وألا ترى الدنيا والمنافسة من حولها إلا من خلال «رضاها» عن أدائها وطريقة إدارتها والعيش في شرنقة تفصلها بطريقة أو بأخرى عن الواقع الخارجي، بينما المفروض أن يكون النظر من الخارج للداخل، وكيف يرى من هو بعيد عنها حقيقة تسارع نموها ومدى فعالية تعاملها مع البيئة التنافسية المتغيرة وحجم استعدادها لتكون رقماً صعباً في معترك تنافسي لا يرحم من لا يتكيف مع المتغيرات، وقبل هذا من لا يقيّم نفسه بطريقة بعيدة عن العواطف ولا تعترف إلا بالأرقام التي لم يتم العبث بها.
العمل لن يؤتي ثماره ما لم تكن هناك مراجعة دائمة لخطواته وما نتج عنها، والخطة لا يكفي أن تكون جميلة الألوان على عرض باوربوينت ومليئة بالمصطلحات الأجنبية البراقة إن لم تكن لها انعكاسات إيجابية، يقول ونستون تشرشل «مهما كانت استراتيجيتك رائعة لا بد من أن تنتبه دوماً للنتائج»، هذه النقطة يؤكدها عراب الجودة الشاملة إيدوارد ديمنج الذي كان وراء ثورة النوعية في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، عندما قال «نحن نثق بالرب وحده، البقية لا بد من أن يأتوا بأرقام وبيانات»، لا يكفي أن تنشغل كثيراً بل المهم أن تكون منشغلاً في الأمور التي تستحق الانشغال، وليس كافياً أن تسير على الطريق الصحيح فقد تكون تمشي عكس سير البقية الصحيح، والأهم أن تعرف أن من يناديك لكي تغير مسارك لا يكرهك لكنه يكره لك المصير الذي تذهب إليه دون أن تنتبه!
المراجعة الدورية أمر لا بد منه لتتأكد أنك على المسار الصائب، والاكتفاء بسماع من ينقل لك الأخبار الوردية دوماً لن يروق لك عندما تتهاوى المؤسسة أمام منافسيها، ولا يصح أيضاً أن يكتفي الإنسان برأيه الشخصي وكيف يرى الأمور، بل لا بد من سماع الآخرين دون أحكام مسبقة إن لم تُعجبه آراءهم، الرأي الشخصي خادع أحياناً لأن الأمور تلتبس، فحتى الملح يبدو أبيض مثل السكر تماماً، المراجعات ببساطة تعني أن تقوم بتغيير الخطة إن لم تُحقق الهدف، ولا تعني أن تغير الهدف لكي يتفق مع الخطة المغلوطة!
لا يوجد خطأ في أن يخطئ الإنسان، فالخطأ والتعثر أمر طبيعي ومتوقع لمن يعمل، بل إن البعض يطالبك لكي ترفع معدلات نموك بأن ترفع معدلات وقوعك في الخطأ لأن ذلك يعني أنك تحاول جاهداً للقيام بأمور جديدة لتطوير مؤسستك ونطاق عملها، المهم أن تتعلّم من هذه الأخطاء وألا تقع فيها من جديد، لكن من غير الطبيعي وغير المقبول أن يكابر الإنسان على خطأ ارتكبه ويتهم من ينبهه إلى ذلك الخطأ بأنه مترصد وسلبي ويقف مع أعداء الوطن في خندق واحد! «احلف أنت بس»!
القادة يُعرَفون في المواقف الصعبة، والكبار يعرفون من طريقة تعاملهم مع النصح والتوجيه، فلا يكابر على الخطأ عاقل، ولا يرفض التنبيه لمواقع الخلل غيور على مؤسسته وبلده، ومن يحب بلاده فعلاً مطالب بأن يبحث دون توقف عن أفضل الوسائل لتحسين الواقع لمؤسسته وأن يجعلها فعلاً محركاً إضافياً يدفع مسيرة التنمية للأمام لا «مرساة» تُعيق حركتها وتسبب لها صداعاً هي في غنى عنه، وبدلاً من أن يدخل في نوايا الناس لصرف النظر عن الأخطاء حبذا لو استمع للتنبيه بتجرد، فالعالم لن يقف لمن يخدع نفسه، والمنافسة لن يتصدرها من يحاول التبرير للخلل، بل سيتصدرها ذلك الذي يقول «كُن الأول أو الثاني أو... اخْرُج»!
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة