مصايد الأسماك المصرية في مواجهة مزدوجة مع المناخ.. ما دور قناة السويس؟
الصيد الجائر أحد أكبر التهديدات للنظام البيئي البحري
تمتلك مصر شريطاً ساحلياً على البحر الأبيض المتوسط بطول 1000 كيلومتر، يمتد من الحدود الفلسطينية شرقاً إلى الحدود الليبية غرباً.
ويعد البحر الأبيض المتوسط منطقة مهمة للتنوع البيولوجي ويحتوي على 4-18% من الأنواع البحرية المعروفة في العالم، رغم أنه لا يشكل البحر المتوسط إلا حوالي 0.8% من محيطاته، فإن الصيد الجائر السيئ التنظيم أدى إلى تعطيل سلامة بيئتها في مصايد الأسماك المصرية ويمكن أن يهدد تنوعها.
من مبادرة البحر من حولنا في الجامعة الكندية في كولومبيا البريطانية والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري في مصر قام فريق بحثي بإعادة بناء بيانات الصيد من مصايد الأسماك البحرية المصرية في البحر الأبيض المتوسط من عام 1920 إلى عام 2019.
وقارن فريق البحث ذلك بالبيانات المبلغ عنها من قبل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، التي بدأت بنشر إحصاءات مصايد الأسماك السنوية في عام 1950.
كشفت الدراسة التي نشرها موقع مجلة "نيتشر الشرق الأوسط" أن التغيرات الجذرية في تنوع الأنواع الموجودة في البحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل المصرية هي نتيجة للاستغلال المفرط لمصايد الأسماك، وفقًا لدراسة حديثة
حيث يرى المؤلفون، أن الإدارة الأفضل مطلوبة لمكافحة الاستغلال المفرط للأرصدة السمكية وضمان صحة الحياة البحرية في البحر الأبيض المتوسط.
ميريام خلف الله، التي قادت الدراسة، ذكرت لموقع مجلةNature ، إنه تم إزالة 3.8 مليون طن من الأسماك واللافقاريات من المصايد المصرية في البحر الأبيض المتوسط في الفترة من 1920 إلى 2019، ولحماية التنوع البيولوجي لهذا المورد البحري المهم، يوصي الباحثون بخطة عاجلة لتحسين تنظيم ومراقبة الصيد التجاري، بما في ذلك الحد من الصيد بشباك الجر وتحسين مراقبة الأنشطة الأخرى في المنطقة، بما في ذلك الصيد الترفيهي، وشددوا أيضًا على ضرورة استخدام أدوات جديدة لتقييم حجم الأرصدة السمكية.
الانتعاش والتراجع على مر السنين
وحددت الدراسة ذروة كبيرة في المصايد المصرية يعقبها انخفاضات حادة، ومن الأحداث التي أدت إلى هذه التقلبات بناء السد العالي في أسوان عبر نهر النيل في الستينيات.
وحسبما تقول ميريام، فقد تم تحديد السد كأحد المساهمين الرئيسيين في انهيار مصايد الأسماك بعد الانتعاش والتوسع السريع الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، ويرجع ذلك إلى توقف تدفق العناصر الغذائية من النهر إلى البحر، مما يحرم الأسماك من الأسمدة الطبيعية،
انخفضت كمية الأسماك التي يتم صيدها بمقدار النصف من عام 1962 إلى عام 1966 خلال المراحل الأولى من بناء السد، حيث أظهرت البيانات أن سمك السردين قد انتقل من تشكيل ما متوسطه 30% من إجمالي المصيد التجاري بين عامي 1950 و1965 إلى 4% فقط في عام 1968.
وتقول الدراسة: "مع وجود ممارسات إدارية أكثر مهارة، كان من الممكن أن يكون مصير مصايد الأسماك المصرية أقل خطورة بكثير - وكان من الممكن أن تكون أكثر مرونة في بناء السد".
وعادت مصايد الأسماك إلى مستويات ما قبل السد في أواخر الثمانينيات، لكن الصيد انخفض بمقدار النصف تقريبًا بين عامي 2011 و2019 بعد الثورة المصرية عام 2011، بسبب الاستغلال المفرط.
كما تفاقم تراجع مصايد الأسماك بسبب تغير المناخ، الذي يؤثر بشدة على البحر الأبيض المتوسط ويؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة والتحول إلى المناطق الاستوائية.
دور قناة السويس
افتتحت قناة السويس للملاحة البحرية عام 1869، لتربط البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي عبر البحر الأحمر، ويمر الطريق عبر البحيرة المرة الكبرى، التي كانت في الأصل أكثر ملوحة من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، مما حد من حركة الأنواع، لكنها لم تمنع أكثر من 400 نوع من الحيوانات غير المحلية من الهجرة إلى البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك أكثر من 100 نوع من الأسماك البحرية من البحر الأحمر.
وتقول المسؤولة الأولى في فريق البحث، إن نقل الأنواع من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط يمثل تهديدًا للتنوع البيولوجي والموائل الطبيعية للأنواع، مما يخلق اختلالات بيئية تتفاقم بسبب آثار تغير المناخ وارتفاع درجات حرارة البحر.
يوضح أحمد دياب، الذي يدرس الزراعة وتربية الأحياء المائية في معهد بحوث الأسماك، مركز البحوث الزراعية في مصر، أن درجات الحرارة ترتفع بشكل أسرع في مناطق شرق البحر الأبيض المتوسط، مما يجعلها "مثالية للعديد من أنواع البحر الأحمر".
حيث تتكيف الكائنات الحية القادمة من البحر الأحمر بسرعة أكبر مع بيئة البحر الأبيض المتوسط الجديدة لأنها معتادة على درجات الحرارة المرتفعة.
وتوضح ميريام، أن هذا الاضطراب سيؤثر في الموائل الطبيعية في نهاية المطاف على السلسلة الغذائية في البحر الأبيض المتوسط، حيث تتغذى الكائنات الغازية على الكائنات الحية المقيمة، مما سيشكل تهديدًا لسلامة الموائل.
فيما يقول دياب إن أحد الأمثلة على هذه الأنواع المفترسة التي تغزو البحر الأبيض المتوسط هو السمكة المنتفخة، وهي من الأسماك آكلة اللحوم، حيث تفترس عدداً كبيراً من الأنواع البحرية مثل الأخطبوطات والأسماك الصغيرة.
تدعم الدراسات السابقة، بما في ذلك دراسة نُشرت في عام 2020، النتائج التي توصلت إليها خلف الله وزملاؤها، لكن محمود حنفي، الذي يدرس البيئة البحرية بجامعة قناة السويس، يقلل من تأثير توسعة قناة السويس على حركة الأنواع بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
وقال، إن الهجرة أمر طبيعي، خاصة مع تغير المناخ والاحتباس الحراري الذي يتسبب في هجرة الأنواع البحرية من الجنوب إلى الشمال – وبعض الأنواع، مثل قناديل البحر، نشأت في المحيط الأطلسي وليس في قناة السويس”.
الصيد الجائر
على الرغم من أن تغير المناخ وهجرة الأنواع عبر قناة السويس يشكلان تهديدًا لمصايد الأسماك، فإن أحد أكبر التهديدات للنظام البيئي البحري هو الصيد الجائر، الذي يستنزف الأنواع إلى درجة يصعب معها تعويض فقدان الأسماك.
من الصعب تتبع مدى الصيد الجائر في مصر ودول البحر الأبيض المتوسط الأخرى. ويشمل الصيد في منطقة لا يجوز صيدها أو باستخدام أداة صيد محظورة.
الصيد الجائر في منطقة معينة يعيق الأسماك المتبقية من التكاثر للحفاظ على أعدادها، وهناك خطر آخر يتمثل في التهديد الذي يشكله على السلسلة الغذائية عند صيد الأسماك التي تتغذى عليها عادة أنواع أخرى من الأسماك.
وكان البرلمان المصري شهد قبل عدة أشهر تساؤلات وطلبات إحاطة موجه إلى وزيرة البيئة ياسمين فؤاد، بشأن خطورة الصيد الجائر على الكائنات البحرية في مصر، حيث حذر أعضاء في مجلس النواب من خطورة الصيد الجائر وتداعياتها على البيئة البحرية والثروة السمكية في المحافظات الساحلية مثل البحر الأحمر والإسكندرية، وأن العديد من الكائنات البحرية النادرة المهددة بالانقراض، بسبب استخدام الصيادين لأدوات صيد مخالفة، مثل الشباك، والاستعانة بإسطوانات أو أكسجين، للغوص في الأعماق وتدمير البيئة البحرية والشعاب المرجانية التي تعيش فيها الأسماك.
هناك أنواع من الأسماك والكائنات البحرية مسجلة على قائمة الانقراض أصبحت مهددة بسبب تلويث البحر والصيد الجائر للكائنات الحية والأسماك التي تعيش في البحر الأحمر، من تلك الكائنات المهددة بالانقراض (السلاحف وأسماك القرش والقرش الحوتي والدلافين وعروس البحر وأسماك الزينة الملونة).
"الصيد من أجل الزريعة"
يعد صيد الأسماك الصغيرة لأغراض الزراعة، أو "الصيد من أجل الزريعة"، من أخطر المشاكل التي تواجه مصايد الأسماك في البحر الأبيض المتوسط، ويعتبرها حنفي جريمة.
وذلك يحدث بشكل رئيسي في مضايق البحيرات الشمالية مثل بحيرة المنزلة وبحيرة البرلس في مصر، حيث تحاول الأسماك الصغيرة الوصول إلى العناصر الغذائية الموجودة في البحيرة.
يقول حنفي: "يجب تنفيذ نظام مستدام لصيد الأسماك؛ يأخذ في الاعتبار سلامة وتجدد النظام البيئي البحري، ومكافحة صيد اليرقات، ووقف مصادر التلوث التي تتدفق إلى البحر الأبيض المتوسط والتي تقتل الأسماك وتهدد التنوع البيولوجي".