بعد 31 عاما من الإبادة.. بطولات جنود أفريقيا المنسية في رواندا

في بادرة تُحيي النقاش حول واحدة من أكثر مآسي القرن العشرين وحشية، عاد جنود أفارقة إلى رواندا بعد 31 عامًا من جريمة إبادة التوتسي.
وقال خبراء سياسيون إن عودة عدد من الجنود القدامى من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إلى العاصمة الرواندية كيغالي، بعد أكثر من ثلاثة عقود على إبادة التوتسي عام 1994، تمثل حدثًا تاريخيًا يُعيد إحياء النقاش حول دور المجتمع الدولي في الأحداث.
وأرى هؤلاء الخبراء أن هذه الزيارة لا تقتصر على بُعدها الرمزي، بل تكشف عن إرث أفريقي في مواجهة التخاذل الدولي، وتُسلّط الضوء على التضحيات الفردية التي أنقذت آلاف الأرواح حين تخلّت قوى كبرى عن مسؤولياتها.
في 21 أبريل/نيسان 1994، جرى تقليص بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في رواندا (مينوار) بشكل كبير، ومع تصاعد المجازر ضد التوتسي، انسحب معظم عناصر البعثة من البلاد.
غير أن بعض وحدات القبعات الزرق والمراقبين العسكريين، خصوصًا من الأفارقة، اختاروا البقاء لحماية المدنيين، في وقت كانت فيه الأسرة الدولية تلوذ بالانسحاب، بحسب إذاعة "إر.إف.إي" الفرنسية.
واليوم، وبعد 31 عامًا، عاد عدد من هؤلاء الجنود القدامى إلى كيغالي بدعوة من منظمة "Aegis Trust" ومركز "إيسوكو من أجل الإنسانية"، حيث زاروا مواقع رمزية أبرزها فندق "الألف تل"، الذي أصبح ملاذًا لآلاف المدنيين الهاربين من المذبحة، والذي كان يديره حينها بول روسيساباغينا.
في أروقة الفندق الشهير، استعاد الضباط الأفارقة ذكرياتهم المريرة، إذ نقلت الإذاعة الفرنسية عن الضابط الغاني بيتر سوسي: "كانت الأجواء مشحونة بالتوتر. كنت أرى الناس يفترشون الممرات والسلالم. شعرت أن مغادرتنا كانت خيانة، لذا قررت البقاء. اليوم أشعر بالرضا، لأننا قمنا بما نستطيع لحماية الإنسانية".
أما الجنرال الغاني كلايتون يااشي، فقال: "لم يكن من العدل التخلي عن المدنيين. بذلنا كل ما بوسعنا، ورغم أن مساهمتنا كانت محدودة، فإننا نشعر بالفخر لأننا لم ندر ظهورنا لهم".
من جانبه، أكد الناجي إيريك يوجين مورانغوا: "وجودي اليوم هنا بين هؤلاء الأبطال أمر لا يوصف. لولاهم، ربما كنا فقدنا حياتنا في الفندق. إنهم سبب بقائنا أحياء".
ويبقى اسم القائد السنغالي الراحل، الكابتن مباي دياني، حاضرًا بقوة، فقد خاطر بحياته مرارًا لإنقاذ مئات المدنيين حتى قُتل في 31 مايو/أيار 1994 إثر سقوط قذيفة في كيغالي. وخلدت الأمم المتحدة اسمه عبر ميدالية تكريمية، كما أزيحت الستارة عن تمثال له في العاصمة السنغالية داكار.
وقال اللواء السنغالي الحاج بابكر فاي: "مباي لم يكن مجرد زميل، كان أخًا وصديقًا. اختار أن يبقى حتى النهاية، ودفع حياته ثمنًا لشجاعته. لقد أصبح رمزًا دوليًا، يستحق أن يُخلَّد في ذاكرة العالم".
من جانبه، قال البروفيسور برتران بادي، أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية بباريس، لـ"العين الإخبارية": "هذه العودة الرمزية تحمل في طياتها درسًا سياسيًا عميقًا: عندما انسحبت القوى الكبرى وتركت رواندا تواجه مصيرها، كان الجنود الأفارقة هم الذين وقفوا في وجه الإبادة. وهذا يكشف حدود النظام الدولي القائم على الهيمنة الغربية، ويُبرز دور الفاعلين المحليين والإقليميين في حماية السلم والأمن".
وأضاف: "إن استذكار هذه اللحظة التاريخية يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية إعادة التفكير في سياسات التدخل، بحيث لا تتحول الأمم المتحدة إلى مجرد شاهد عاجز، بل إلى مؤسسة قادرة على العمل الفعلي لحماية الشعوب".
من جهته، قال الدكتور إيمانويل ندايي، الباحث السنغالي المتخصص في شؤون السلم والأمن الأفريقي في مركز الأبحاث الاستراتيجية بدكار CRES، لـ"العين الإخبارية": "تجربة رواندا عام 1994 ستظل جرحًا مفتوحًا في الذاكرة الأفريقية. لكن ما قام به الجنود الأفارقة الذين رفضوا الانسحاب يعكس قيم التضامن الأفريقي الحقيقية. لقد أثبتوا أن أفريقيا ليست مجرد متلقية للأزمات، بل هي قادرة على تقديم حلول وشجاعة ميدانية حين يتراجع الآخرون".
وتابع: "اليوم، عودة هؤلاء الجنود تحمل رسالة قوية للأجيال الجديدة: لا تنتظروا حماية الآخرين. فالمسؤولية عن السلم والأمن في القارة يجب أن تكون أفريقية أولًا، وهذا ما يجعل مبادرات مثل قوة التدخل السريع للاتحاد الأفريقي أكثر أهمية".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTIyIA== جزيرة ام اند امز