2.5 مليون مسلم.. أبطال منسيون في الحرب العالمية الأولى
آلاف الجنود من أفريقيا والشرق الأوسط وروسيا وأمريكا لهم قصص تمس القلب حول حياتهم وموتهم إلى جانب نظرائهم الأوروبيين
تدوي الرياح العاصفة في أنحاء الريف الممتد وتمر خلال الحشود التي تجمعت على تل يطل على "نوتردام دو لوريت"، مقبرة الحرب الوطنية في فرنسا، حيث تجمعوا وسط ما تبقى من 440 ميلا (708.1 كم) من الخنادق التي شكلت الجبهة الغربية، يرتجفون من الصدمة والمفاجأة أكثر من البرد أثناء الاستماع لتفاصيل حياة الرجال الذين عانوا أهوال الحرب العالمية الأولى، لا سيما الأبطال المسلمين المنسيين.
أكثر من 1.5 مليار قذيفة مدفعية سقطت في هذا الجزء من شمال فرنسا، على مقربة من بلدة "آراس"، ما دفع الجنود إلى تسمية الأراضي الزراعية التي قاتلوا فيها "جحيم الشمال"، أو على نحو مؤثر "المقبرة" التي يوجد بها قسم مخصص للمسلمين، حسب تقرير نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، الإثنين، على موقعها الإلكتروني.
لكن تجارب بعض رفاقهم المسلمين، مع ذلك هي التي أسرت على وجه الخصوص، خيال الحشد، ورسمت على ملامحهم نظرات عدم التصديق بشأن تاريخ لم يسبق أن روي على نحو كامل تماما لأكثر من 2.5 مليون مسلم سافروا إلى أوروبا للقتال من أجل الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى.
بعد أن سافروا آلاف الأميال قادمين من أجواء أكثر سخونة، دخل هؤلاء الجنود الخنادق مع أئمة كانت واجباتهم تشمل إقامة صلاة الجماعة، وتلقين المحتضرين الشهادة. وقد صدرت أوامر خاصة بشأن متى وكيف يصلون، وفقا لبيان صادر عن القيادة الفرنسية العليا، أوضح أنه "إذا اشتدت الحرب ولم ينعم المسلم بلحظة سلام لأداء صلاته، فانه يستطيع فقط تحريك رأسه وجذعه، في حال وجود لحظات من الهدوء، يمكن للمرء أن إكمال الصلاة جماعة".
كان يقدم لها الطعام الحلال الساخن بشكل روتيني، من إعداد الطهاة الذين كانوا يرافقونه، وعندما نفدت الإمدادات الطبية، استخدم بعض هؤلاء الجنود الأدوية العشبية التقليدية من أوطانهم للمساعدة في علاج الرفاق المصابين، أيا كانت عقيدتهم، بينما يعلم آخرون أغانيهم الشعبية لأولئك الذين يخدمون معهم، مهما كانت لغتهم، في خضم المآسي الوحشية لحرب الخندق.
تظهر أدلة تضحياتهم في أحد أركان نوتردام دو لوريت، التي تضم قبور 40 ألف جندي فرنسي سقطوا على الجبهة الغربية، شواهد القبور الإسلامية يمكن تمييزها بوضوح ليس فقط بنقوشها الإسلامية بل لأنها تميل شرقا نحو مكة، حيث صممها الرسام الفرنسي إتيان دينيت، الذي اعتنق الإسلام في عام 1908.
وأنهى الحشد الذي كان أغلبه من المسلمين البريطانيين الذين وصلوا نوتردام دو لوريت قبل الاحتفال بذكرى يوم الهدنة في عطلة نهاية الاسبوع زيارتهم بالصلاة على قبور جنود شمال إفريقيا الذين كانوا يشاطرونهم عقيدتهم.
وجاءت زيارتهم في إطار مشروع رائد أطلقته مؤسسة "أبطال منسيين 14 - 19"، التي وثقت لأول مرة مساهمة جميع المسلمين الذين قاتلوا وعملوا لصالح قوات التحالف خلال الحرب العالمية الأولى، ويشير الرقم 19 في اسمها إلى الصراع الذي سببه الوجود العسكري الفرنسي في سوريا عام 1919 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
أمضى الباحثون السنوات الست الماضية في البحث في المحفوظات العسكرية والدبلوماسية والخاصة، بما في ذلك اليوميات والرسائل، عبر 19 بلدا، واطلعوا على أكثر من 850 ألف وثيقة باللغات الفرنسية والإنجليزية والفارسية والأردية والروسية والألمانية والعربية؛ فضلا عن مئات الصور. ويقدرون أن 2.5 مليون مسلم أسهموا في قضية التحالف إما كجنود أو عمال، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تحديد مثل هذا الرقم.
تأسست المؤسسة على يد البلجيكي لوك فيرير (53 عاما)، بعد أن عثر على مذكرات جده الكبير عن الحرب العالمية الأولى في سقيفة منزله حيث كتب فيها بشكل مكثف عن المسلمين الذين قابلهم في الخنادق. وبعد أن بهره هذا السحر، غاص فيرير في كتب التاريخ لمعرفة المزيد، ولكنه اكتشف أن هناك القليل من المعلومات المتاحة.
وبدأ إجراء أبحاثه الخاصة، في البداية من خلال سجلات الحرب البلجيكية والفرنسية، وأدرك أن هناك قصة أكبر لروايتها. في الواقع، أصبح منهمكا جدا في الأمر حتى أنه تخلى عن وظيفته في صناعة الطيران لإنشاء المؤسسة في عام 2012، وتكريس حياته لتوثيق دور جميع المسلمين المشاركين في الحرب.
لقد تم جلبهم من جميع أنحاء أفريقيا والهند والشرق الأقصى والشرق الأوسط وروسيا وحتى أمريكا، ولكن قصصهم التي تمس القلب حول حياتهم وموتهم إلى جانب نظرائهم المسيحيين أو اليهود الأوروبيين التي كان لها أقوى صدى لدى فريير وفريقه. فمعرفة هذا التاريخ، كما يقولون، يمكن أن تساعد في التغلب على بعض المشكلات في أوروبا اليوم.
أظهرت الوثائق المكتشفة أمثلة لأئمة وكهنة وحاخامات يعلمون بعضهم البعض مراسم الدفن والصلاة لدفن القتلى على جبهة القتال، وهناك تقارير تفيد بأن الجنود المسلمين كانوا يتقاسمون الطعام مع المدنيين الجوعى، بينما أعرب الضباط الفرنسيون والبلجيكيون والكنديون عن دهشتهم لمعاملتهم الإنسانية لأسرى الحرب الألمان، وعندما طلبوا منهم تفسير سلوكهم، تلى الجنود آيات من القرآن، وأحاديث النبي محمد عن كيفية التعامل مع مقاتلي العدو.
وقال فيرير، وهو ليس مسلما إن "اليمين المتطرف وكراهية الإسلام تتزايد في جميع أنحاء أوروبا. مشروعنا هو حول جعل جميع الناس في جميع أنحاء القارة يفهمون أن لدينا تاريخا مشتركا. هذا لا يتعلق بالسياسة أو الاستعمار. نحن ببساطة نقدم الحقائق لأن هذه قصة أوروبا كلها بحاجة إلى معرفتها".
وأضاف: "يصور المسلمون على أنهم العدو في الداخل، وأنهم الوافدون الجدد الذين لم يقدموا مساهمة قيمة لأوروبا. لكننا نستطيع أن نثبت أنهم ضحوا بحياتهم من أجل أوروبا الحرة، وساعدوا على جعلها ما هي عليه، وأن لهم الحق في أن يكونوا هنا".
وأوضح أن الهدف الرئيسي للمؤسسة هو نشر المعرفة حو اكتشافاتهم إلى الشباب البريطانيين والأوروبيين على وجه الخصوص، بهدف أن يساعد ذلك الأجيال المقبلة على فهم الجاليات الإسلامية التي تعيش بينهم بشكل أفضل. ويتم تنظيم جولات أرض القتال بعنوان "التجربة الإسلامية في الحرب العالمية الأولى"، بالشراكة مع شركة أنجليا تورز، وهي شركة متخصصة في زيارات المعركة لتلاميذ المدارس البريطانية.
ولفتت أعمال المؤسسة بالفعل أنظار خبراء الحرب العالمية. وفي الشهر الماضي، ألقى فيرير محاضرة على مؤرخين في جامعة هارفارد وقدم أيضا ورقة إلى الأمم المتحدة. وهناك خطط جارية لإصدار كتاب العام المقبل يتضمن مقتطفات من الوثائق والصور التي تم الكشف عنها، ومن المقرر أن تنظيم معرض يقوم بجولة في أوروبا.
ومع استمرار البحث، يقدر المسؤولون عن المنظمة أن العدد الحالي البالغ 2.5 مليون مسلم ساعدوا الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى يمكن أن يزداد، وهذه تقديرات أعدادهم وفقا للدولة أو المنطقة:
جنود
400 ألف هندي (الجيش الهندي البريطاني)
200 ألف جزائري
100 ألف تونسي
40 ألف مغربي
100 ألف غرب أفريقي
5 آلاف صومالي وليبي (الجيش الفرنسي)
5 آلاف أمريكي
1.3 مليون روسي
عمال :