فرنسا 2016.. الإرهاب يدفع الانتخاب "يمينا"
لم يتوقع الفرنسيون أن يأتي عام حافل بالأحداث مثل 2015، غير أن العام الجاري تفوق بسخونة أحداثه وجسامة تحدياته
محمد جعفر
لم يتوقع الفرنسيون أن يأتي عام حافل بالأحداث مثل 2015، غير أن العام الجاري تفوق بسخونة أحداثه وجسامة تحدياته، فقد تشكلت حالة من الإرهاب والعنصرية لدى المواطن الفرنسي، كان لها أثرها البالغ على توجه الأحزاب السياسية الفرنسية لاسيما في المشهد الانتخابي هذا العام استعداداً للاقتراع الرئاسي ربيع العام المقبل .
ولم يخل عام 2016 من الهجمات الإرهابية على فرنسا، الذي شهد تمديداً لفرض حالة الطوارئ لأول مرة في تاريخ فرنسا، حيث أعلنت الداخلية الفرنسية مؤخراً إحباط 12 هجمة وحادث إرهابي منذ منتصف يوليو، ليصبح عدد الهجمات التي تم إحباط مخططاتها إلى 16 على مدار العام، مما يهدد بقاء الحكومة الاشتراكية بعد بزوغ نجم اليمين الفرنسي اللآخذ في الظهور بعد مفاجأة فرانسوا فيون المائل ناحية اليمين وحلفائه الروس والأمريكان.
فقد هزت هجمات نيس الكيان الفرنسي، الذي كرس كل جهوده ومقدراته لمحاربة الإرهاب داخلياً وخارجياً، هجمات تلتها حملات اعتقال عشوائية احترازية بالتزامن مع الأحداث الفرنسية الكبرى مثل مهرجان كان، يورو 2016، ذكرى 13 نوفمبر ومؤخراً الاستعدادات لاحتفالات رأس السنة الميلادية الجديدة.
كما شهدت فرنسا هذا العام أول انتخابات تمهيدية لليمين والوسط، بعد تجربتها الأولى في الانتخابات التمهيدية للرئاسة، والتي ابتدعها الحزب الاشتراكي الذي فاز زعيمه بالمنصب بعد الإطاحة بنيكولا ساركوزي عام 2012.
واستغل اليمين الفرنسي هذه الحالة التي ملأت مخيلة الناخب الفرنسي بخوفه من عدم الاستقرار والأمان، التي تجلت في اعتلاء فيون المشهد السياسي تزامناً مع زيادة حدة نبرة اليمين المتطرف التي عززها فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية، مخلفاً حالة هستيرية انتابت الجميع؛ المرشحين، الناخبين ووسائل الإعلام.
وتعد سنة 2016 الفرنسية.. عام الأحداث المحورية بامتياز، الذي لا تنفصل تبعات أحداثه عن فوز ترامب و هجمات باريس و"البريكسيت" (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) وأزمة المهاجرين ومحاربة "طواحين الهواء" في إفريقيا والشرق الأوسط المعروفة باسم "داعش".
وامتدت يد الحكومة الاشتراكية المتداعية عميقاً داخل هذا الفخ "محاربة الإرهاب في الخارج"، بينما تنادى الأصوات الآن- كما في أمريكا – إلى الانغلاق والانشغال بقضايا الداخل الساخنة.
فبالتزامن مع أزمة "البريكسيت" تعالت الأصوات المحذرة من تداعي الاتحاد الأوروبي ومن ثم تفكك اقتصاد اليورو والسوق الأوروبية وسط نداءات بالحنين لعملات ما قبل اليورو في بريطانيا وسويسرا وفرنسا، وليس الناتو الذي أنهكته المعارك الخارجية ببعيد عن هذه الأزمة.
فلن يرث الرئيس الفرنسي الجديد سوى تركة من التحديات والأزمات، فعليه أن يجيب على بضع أسئلة تجول في مخيلة الناخب، من بينها: ما خطتك للقضاء على الإرهاب؟ وحل أزمة البطالة؟ وموقفك من اقتصاديات العالم ما بعد ترامب؟ موقفك من الاتحاد الأوروبي؟ وأزمة المهاجرين؟ من هم حلفاؤك الجدد؟ ولماذا؟ ماهو موقفك من الشرق الأوسط؟.
ويجد الناخب الفرنسي نفسه هذا العام محاصرًا ببرامج متشابهة من حيث البناء متباينة من حيث التوجهات، فلا يختلف كثيراً برنامج اليسار عن برنامج اليمين، إلا أنه وعلى عكس المتوقع رجحت كفة اليمين حتى الآن عاصفةً بكل تلك الأرقام والتحليلات واستطلاعات الرأي، فمن الواضح جدًا أن الناخب الفرنسي ملَّ الاشتراكيين ودولتهم، فهو بطبعه يحب التغيير أو كما يقول الفرنسيون: "كل جديد جميل".
في ذات الوقت الذي يتخوف فيه الناخب من اليمين ذو النزعة المتطرفة حتى ولو لم يحسب على حزب الجبهة الوطنية، فقد استغل فيون خلال الانتخابات التمهيدية لليمين ما شعر به الناخب من هيمنة لليمين بعد فوز ترامب على المحافل السياسية والإعلامية الدولية والأوروبية للوصول إلى رغبة عارمة لديه بأن يتكرر عنده نفس السيناريو.