هجمات فرنسا الإرهابية تعيد فتح "أوراق قطر"
أعادت الهجمات التي شهدتها فرنسا، وذبح خلالها مدرس في 16 أكتوبر/تشرين الأول، ثم قتل 3 في نيس الخميس، التحذيرات من قطر للواجهة.
وعلى الرغم من أن الهجمات وقعت على خلفية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم)، إلا أن رد الفعل المتطرف لمرتكبي تلك الهجمات، التي أدانتها الرموز الدينية في العالم الإسلامي، مؤكدين أنها تسيء لصورة الإسلام، أعاد تسليط الضوء على إرهاب قطر.
وعاد الحديث مجددا عن كتاب" أوراق قطر"، وما تبعه من تحذيرات طوال الفترة الماضية من تمويل قطر لمؤسسات داخل فرنسا وأوروبا تنشر أفكار التطرف والإرهاب من بينها "الإخوان".
الرسوم المسيئة.. محاولة للفهم
حالة التوتر الأمني التي تشهدها فرنسا حاليا جاءت في أعقاب إعلان صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية، الشهر الماضي، إعادة نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة لنبي الرحمة.
وعقب ذلك تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدعم تلك الرسوم تحت زعم حرية التعبير.
وفي درس لحرية التعبير بمدرسته قام المدرس صماويل باتي بعرض تلك الرسوم المسيئة، فقام طالب من أصل شيشاني، يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بقطع رأس المدرس بالقرب من مدرسته في كونفلانس سانت أونورين، إحدى ضواحي شمال غرب باريس، قائلا: "إنه كان يريد معاقبته، قبل أن تتمكن الشرطة من قتله".
وأمس الخميس، حمل شاب تونسي سكينا وقتل 3 أشخاص، منهم امرأة قطع رأسها، في كنيسة قبل أن تطلق الشرطة النار عليه وينقل للمستشفى.
الرموز والمؤسسات الدينية في مختلف دول العالم الإسلامي، أصدرت بيانات وأقامت فعاليات مختلفة، على مدار الفترة الماضية، لوضع الأمور في نصابها الصحيح.
واتفقت جميعها في إدانة الفعل (الرسوم المسيئة)، ورد الفعل (عمليات الذبح الإرهابية)، وأشاورا إلى أن تلك العمليات تسيء لصورة الإسلام، ولا تعد بأي حال من الأحوال شكلا من أشكال "نصرة النبي"، بل هو تطرف وإرهاب.
وبدأت تلك المؤسسات الإسلامية تتخذ خطوات حضارية على أرض الواقع لنصرة النبي، فأعلن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف عن إطلاق الأزهرِ الشريف منصة عالمية للتعريف بنبي الرحمة ورسول الإنسانية محمد صلوات الله عليه.
وقرر "مجلس حكماء المسلمين"، الذي يتخذ من أبوظبي مقرا له، تشكيل لجنة خبراء قانونية دولية لرفع دعوى قضائية على "شارلي إيبدو" لإساءتها لنبي الرحمة.
نفاق قطر
وفي المقابل تبنت قطر خطابا مزدوجا يفضح نفاقها، ففي الوقت الذي بثّ فيه النظام القطري عبر أبواقه الإعلامية خطابا يدعو لمقاطعة المنتجات الفرنسية تحت مزاعم "نصرة الدين"، قدم في الوقت ذاته طلبا لباريس بالتكفل بضحايا الإرهاب وذويهم.
ووفق موقع "ميديام" الإخباري الأمريكي وكذلك "لا فرانس أتيتود" الفرنسي فإن قطر تلعب على جميع الأحبال ولا تتخلى عن نفاقها في مسألة مقتل مدرس التاريخ الفرنسي صامويل باتي (منتصف الشهر الجاري) والرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم).
وأوضح "ميديام" أن قطر أعطت أوامر لقنواتها الإعلامية بنشر الكثير من الدعاية حول ضرورة مقاطعة المنتجات الفرنسية، كما تحث الدول الإسلامية الأخرى على أخذ نفس النهج، وتضخيم ما قامت به باريس فيما يتعلق بالرسومات المسيئة.
ورغم ذلك، يسارع النظام القطري إلى دعم الحكومة الفرنسية، إذ استقبلت وزارة الداخلية في باريس طلبا من منظمة "قطر الخيرية" التابعة للدوحة، برعاية ضحايا الإرهاب في فرنسا والأشخاص المتضررين من المظاهرات الفرنسية المرتبطة بمقتل صامويل باتي.
وأشار الموقع إلى أنه رغم رغبة قطر رعاية ضحايا الإرهاب، إلا أنها لم تعرب عن سخطها بشكل رسمي أو تدين هذه الهجمات والأفعال البربرية التي ارتكبت على الأراضي الفرنسية بحق المدنيين.
بدوره، قال موقع "لا فرانس أتيتود" إن "قطر لا تعرف على أي جانب تريد أن ترقص"، ففي الوقت الذي تحاول أن تصور نفسها صديقة لفرنسا والحضارة الغربية بشراء عقارات وتعزيز التبادل التجاري، تبث عبر أئمتها وعلى رأسهم مفتي الإرهاب يوسف القرضاوي الذي تأويه، خطابا متطرفا وعنيفا ضد الغرب وأوروبا".
وأكد أن مؤسسة "قطر الخيرية" ما هي إلا "غطاء تمويه"، فهي قناة مالية قطرية تعمل على توفير الأموال لتنظيم الإخوان في أوروبا وباقي العالم، وخلق منافذ جديدة للإرهاب من خلال مراكز إسلامية في فرنسا وأوروبا.
وبحسب الموقع، فإن الجزء الأكبر من الاعتداءات التي ارتكبت في فرنسا خلال العقد الأخير، تم تخطيطها جميعا داخل مراكز دينية تم تأسيسها وتمويلها بواسطة قطر.
تحذيرات متزايدة
وقبيل أسابيع حذر مراقبون من مخطط قطري لاختراق الغرب، ولا سيما شمال أوروبا، ثقافيا عبر تمويلات مشبوهة للفعاليات الثقافية والمراكز الإسلامية والتعليمية، لنشر أفكار الجماعات الإرهابية التي تدعمها، وعلى رأسها تنظيم الإخوان.
وكشفت صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية ، مؤخرا، أن باريس فتحت تحقيقا في أموال مشبوهة لمؤسسة تعليمية تديرها أحد تنظيمات الإخوان في فرنسا، والتي تتلقى تمويلا من قطر والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية (IESH) في سان دوني، في الضواحي الشمالية لباريس.
ولا تعد هذه المرة الأولى التي تتهم فيها قطر بتمويل قضايا مشبوهة لتنظيم الإخوان في أوروبا وفرنسا على وجه الخصوص.
واتهمت نخب فرنسية في فبراير/شباط الماضي قطر بتمويل مراكز ومؤسسات مشبوهة، تخدم الإسلام السياسي في البلاد، فيما طالب مشرعون فرنسيون الحكومة بحظر تنظيم الإخوان والتدقيق أكثر في مسار الأموال الأجنبية.
وأشارت عضو مجلس الشيوخ الفرنسي ناتالي جوليه إلى أن مركز دراسات وأبحاث يعرف بتمويله من الدوحة، نظم مؤخرا عددا من الاجتماعات، التي أثارت جدلا.
وطرحت جوليه سؤالا أمام مجلس الشيوخ، بشأن الأموال القطرية السخية المشبوهة، التي باتت حسب قولها "تشكل صداعا في رأس الفرنسيين".
وحذرت نخب فرنسية مرارا وتكرارا من عواقب غض الطرف عن أموال قطر، التي تتدفق إلى الشارع السياسي الفرنسي، لاختراق دوائر صنع القرار.
وقطر بذلك، وفق المتوجسين، توفر الملاذ الآمن في أوروبا، لتيار تطلق عليه فرنسا "الانفصالية الإسلاموية".
وفي أبريل/نيسان 2019، كشف كتاب يحمل اسم "أوراق قطر"، عن التمويل القطري للإرهاب في أوروبا، عبر مؤسسة "قطر الخيرية"، التي تبث سمومها تحت ستار المساعدات الإنسانية وتمول بناء مساجد ومراكز ومؤسسات تابعة لتنظيم الإخوان الإرهابي.
ووصف الصحفيان الاستقصائيان، كريستيان شينو، وجورج مالبرنو، في كتابهما "قطر الخيرية" بـ"المؤسسة الأقوى في تلك الإمارة الصغيرة"، مؤكدين أنها تمكنت من "التوغل في 6 دول أوروبية أبرزها فرنسا، وإيطاليا، وسويسرا"، كما حذرا من خطورة هذا التمويل.
ورسم كتاب "أوراق قطر" المؤلف من 295 صفحة خرائط توضيحية لمحاولة الدوحة بث التطرف في أوروبا، كما كشف للمرة الأولى تفاصيل أكثر من 140 مشروعاً لتمويل المساجد والمدارس والمراكز، لصالح الجمعيات المرتبطة بتنظيم الإخوان الإرهاب، من بينها 22 في فرنسا.
وأشار الكتاب إلى أن قطر قدمت دعما يقارب 80 مليون دولار إلى جماعات مرتبطة بتنظيم الإخوان حتى تنشط في سبعة بلدان أوروبية.
وبيّن أنه في فرنسا، مثلا، تم التركيز على مدينة ليل، شمالي البلاد، إضافة إلى مدينة بوردو (جنوب غرب)، فتم تمويل الكثير من المشاريع المشبوهة في هاتين المدينتين.