إنذار هجوم نيس.. أصابع قطر الإخوانية والعبث بأمن أوروبا
عاد دور قطر في تمويل الإرهاب بأوروبا إلى واجهة النقاش مجددا، لتطفو من جديد تفاصيل سجل أسود يهدد أمن القارة العجوز
نقاش احتدم عقب إبداء فرنسا عزمها التصدي لجمعيات وصفتها بـ"الإسلامية"، على خلفية تورطها في خطاب التحريض والكراهية وسط الجالية المسلمة.
خطاب سبق أن فضحت مصدره تقارير إعلامية واستخباراتية، علاوة على كتاب "أوراق قطر" الشهير، والذي كشف بالحجج والبراهين دور الدوحة في تسميم عقول الجالية المسلمة في أوروبا وفرنسا بشكل خاص.
- مؤلف "أوراق قطر": الدوحة تدعم إخوان أوروبا بملايين اليوروهات
- تحقيق نمساوي: بالإخوان الإرهابية.. قطر تزعزع أمن أوروبا
والخميس، استهدف شخص تونسي الجنسية كنيسة في مدينة نيس الفرنسية، في عملية طعن أسفرت عن مقتل 3 أشخاص، بينهم امرأة بقطع الرأس.
جاء الهجوم عقب أيام من ذبح مدرس من قبل شيشاني على خلفية رسوم مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وبعد أسابيع من إصابة 4 أشخاص في هجوم استهدف المقر القديم لصحيفة فرنسية ساخرة أعادت نشر الرسوم.
ألمانيا.. وجهة الدوحة
كتاب "أوراق قطر" الصادر قبل أكثر من عام، للصحفيين الفرنسيين جورج مالبرونو وكريستيان شيسنو، كشف أن الدوحة أغدقت أموالا طائلة على جمعيات الإخوان في أوروبا.
واستند الكتاب إلى 140 وثيقة جرى نشرها لأول مرة، توضح كيف موّلت الدوحة عشرات المساجد والجمعيات، من أجل زيادة نفوذ الإخوان في بلدان أوروبية مثل سويسرا وفرنسا.
ووفق الكتاب، مولت قطر في السنوات الماضية 140 مؤسسة ومركزا إسلاميا في أوروبا، بحوالي 72 مليون يورو.
ففي ألمانيا التي تعد وجهة أساسية لأموال قطر، مولت الدوحة 10 مؤسسات ومشاريع تابعة للإخوان.
وبحسب كتاب "أوراق قطر"، ضخت الدوحة أكثر من 5 ملايين يورو نهاية 2016 في مؤسسات الإخوان، بواقع 96 ألف يورو لمنتدى الإسلام في مدينة ميونخ، جنوبي ألمانيا، و400 ألف يورو في مركز ومسجد دار السلام في برلين، و300 ألف يورو لمؤسسة في بلدة دينسلاكن بولاية شمال الراين ويستفاليا (غرب).
الأكثر من ذلك، أن قطر منحت تمويلا ضخما بلغ 4.4 مليون يورو لصالح مؤسسة مركزية للإخوان في برلين، وفق صحيفة "شتوتجارت تسايتونج" التي لم تذكر اسم المنظمة.
الصحيفة ذاتها ذكرت أن جمعية النادي الثقافي المغاربي في مدينة شتوتجارت (جنوب غرب)، أرسلت خطابا لمؤسسة قطرية (قطر فاونديشن) في 2015، كتبت فيه "نطلب دعم رئيس مؤسسة قطر، وهو على دراية باحتياجات المسلمين في الشتات بالدول الغربية".
وطلبت جمعية النادي الثقافي المغاربي، وفق الوثائق، 110 آلاف يورو لشراء مقر لها من خمسة طوابق، و300 ألف يورو لتطوير مسجدها ومدرسة لتحفيظ القرآن، وكان رد المؤسسة القطرية بأنها اعترفت بالجمعية كشريك، وسهلت حصولها على هذه الأموال.
ونقلت الصحيفة الألمانية عن مصادر في هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية في ألمانيا) أن جمعية النادي الثقافي المغاربي جزء من شبكة الإخوان في ألمانيا.
الأمر نفسه ينطبق على الجمعية العربية الألمانية في مدينة أولم (جنوب غرب)، التي أرسلت أيضا خطابا يضم تفاصيل حساباتها البنكية إلى مؤسسة قطر طلبا للدعم.
وبدأت الجمعية خطابها بعبارة "من بنى مسجدا، بنى الله له بيتا في الجنة"، ثم طلبت تمويلا لشراء منزل لتحويله لمقر للجمعية ومسجد في أولم.
وقالت الصحيفة إن "ألمانيا تعد مهمة للغاية في الاستراتيجية الخارجية لقطر"، مضيفة: "كما أن التنظيمات المرتبطة بالإخوان في ألمانيا تعد شريكا مهما للدوحة، ومتلقيا أساسيا للدعم القطري".
وتعليقا على التمويل القطري للإخوان، قالت السياسية البارزة بالاتحاد المسيحي الحاكم (يمين وسط) بيرجل أكبينار للصحيفة ذاتها: "لا بد من استخدام جميع وسائل سيادة القانون لمكافحة التيارات المتطرفة ومنع تمويلها من الخارج".
النمسا.. ملاذ الإخوان
تعد النمسا ملاذ العديد من قيادات الإخوان منذ هروب أجيالها الأولى من مصر وسوريا في الستينيات.
ويقول الباحث الأمريكي الشهير لورينزو فيدينو، المتخصص في شؤون الإخوان: "وجد الإخوان بيئة ودية في النمسا منذ البداية، إذ استغلوا مناخ الحرية والأنظمة البنكية المتطورة في توسيع أنشطة الجماعة في أوروبا".
لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك، إذ تعمل قطر على تعزيز أقدام الإخوان في النمسا، عبر تبرعات سخية تصل قيمتها إلى ملايين اليوروهات، وفق كتاب "أوراق قطر".
وحسب الكتاب، فإن المركز الثقافي في مدينة غراتس، المرتبط بالإخوان، على علاقة وثيقة بمنظمة قطر الخيرية.
الأكثر من ذلك، أن تنظيما تركيّا مرتبطا بالإخوان، يسمى "ميللي جورش" (الرؤية الوطنية)، توسط في يونيو/حزيران 2014 لدى قطر، عبر إرسال خطاب توصية لسفارة الدوحة في فيينا، من أجل منح الجمعية الإسلامية في النمسا، إحدى أذرع الإخوان الجديدة في ذلك الوقت، تمويلا ماليا.
وبعد وصول الخطاب السفارة بـ12 يوما، فتحت قيادات الجمعية حسابا في بنك نمساوي شهير، وذهبت بياناته كاملة إلى مؤسسة "قطر الخيرية"، وفق الكتاب نفسه.
ولم يستطع الكتاب التحقق من مقدار الدعم المالي الذي وصل للجمعية الإسلامية في النمسا بعد هذا التاريخ.
إيطاليا.. الأكثر تأثرا
لم تكن إيطاليا بمنأى عن التحركات القطرية المشبوهة، إذ تعد الدولة التي استثمرت فيها الدوحة أكثر من غيرها بـ45 مشروعا بتكلفة 22 مليون يورو.
وتتبع الكتاب مسار ما كشفته صحيفة "لاستامبا" الإيطالية، في تقرير سابق، أشارت فيه إلى أن قطر استثمرت في نحو 45 مشروعاً في إيطاليا، بشكل رئيسي في جزيرة صقلية، وشمالي البلاد بمدن سارونو في بياتشينزا، مروراً بـبريشيا والساندريا.
وأزاح الكتاب النقاب عن وثائق موقعة من يوسف القرضاوي، مفتي الإرهاب المقيم في قطر حالياً، تفيد بحث ممثلي المراكز الدينية في إيطاليا مطلع 2015 على دعم مشروع بناء مركز جديد في ميلانو، يتضمن مسجداً ومدارس.
وفي مواجهة هذه المعلومات، دعا برلمانيون إيطاليون، بينهم كارلو فيدانزا، الحكومة إلى حظر أي إمكانية لأي تمويل أجنبي للمؤسسات الإسلامية في البلاد.
فرنسا وسويسرا
وفي فرنسا، وضعت الإخوان -بدعم الدوحة- استراتيجية لاستقطاب رؤساء البلديات والهيئات المحلية الأخرى، وفق الكتاب الذي سلط الضوء على تحذيرات المخابرات الفرنسية بشأن الدعم القطري لاتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية (هيئة جامعة).
وركز الكتاب على مؤسسات الإخوان في مدينة ليل، شمالي البلاد، إضافة إلى مدينة بوردو (جنوب غرب)، حيث جرى تمويل الكثير من المشاريع المشبوهة في هاتين المدينتين.
وعلى الرغم من أن فصوله الأربعة عشر ركزت بشكل أساسي على تجربة فرنسا، إلا أن الكتاب يؤكد طموح جماعة الإخوان التوسعي الساعي إلى تأجيج التطرف الديني في جميع أنحاء أوروبا.
وبجانب الأموال التي وجهتها قطر لكبار قادة الإخوان في فرنسا وسويسرا، مولت الدوحة مؤسسات مثل متحف حضارات الإسلام؛ وهو متحف في جنيف يمارس أنشطة الدعاية لصالح التنظيم الإرهابي.
الكتاب تحدث أيضا عن العلاقة التي تجمع قطر بحفيد مؤسس جماعة الإخوان، طارق رمضان، الذي يلاحقه القضاء في سويسرا، بتهم اغتصاب.
وذكر الكتاب أن رمضان، الذي يروح لنفسه بصفة أكاديمي ومحاضر، يتقاضى 35 ألف دولار من قطر مقابل نشر أفكار وأيديولوجية الإخوان والترويج لها. ووصل الأمر إلى حد سحب رمضان 590 ألف دولار من حسابات بنوك قطرية حتى عام 2018.
بدوره، قال كريستيان شينو، مؤلف كتاب "أوراق قطر" الذي أحدث ضجة كبيرة في القارة الأوروبية، إن الدوحة تمول الإخوان في كل أوروبا، ليس فقط في فرنسا وألمانيا، لكن في الدول الصغيرة مثل النرويج.
وفي مقابلة مع مجلة "تيبوليس" السياسية الألمانية المستقلة، قال شينو "لا تشتري قطر الأندية والفنادق وتخترق الاقتصاديات الأوروبية فحسب، بل تدعم الجمعيات الإسلامية المتطرفة بشكل واسع النطاق".
دعوات التصدي
يكثف سياسيون ووسائل إعلام في عدة دول أوروبية، الدعوات لوقف التمويل القطري للجماعة الإرهابية.
ماريو كوناسيك رئيس حزب الحرية "شعبوي" في مدينة "جراتس"، التي تعد معقلا رئيسيا للإخوان في النمسا، طالب الحكومة باتخاذ إجراءات قوية لوقف التمويل القطري للإخوان الإرهابية.
وفي تصريحات إعلامية، قال "كوناسيك" إن التمويل القطري للإخوان وغيرها من التنظيمات المتطرفة "أصبح قضية سياسية ملحة".
وأضاف "نطالب الحكومة باتخاذ إجراءات حاسمة وقوية لوقف التمويل القطري".
فيما قال روديجر لولكر، أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة فيينا النمساوية، والخبير في شؤون التنظيمات الإسلامية المتطرفة، إن تمويل قطر لشبكة الإخوان في ألمانيا كان معروفا منذ سنوات، والدعم القطري والتركي هما سبب توسع الجماعة المستمر في الدول الأوروبية.
وتابع، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، أن "السلطات في ألمانيا وأوروبا مطالبة باتخاذ إجراءات قوية لوقف التمويلات الخارجية للمنظمات والأفراد على أراضيها، وفي مقدمتها التمويل القطري للإخوان".
ومؤخرا، طالبت صحيفة "أرجاو تسايتونج" السويسرية الحكومة باتخاذ إجراءات قوية ضد التمويل القطري للإخوان، ووضع التنظيمات التابعة للتنظيم في الأراضي السويسرية تحت الرقابة.
aXA6IDMuMTQxLjI5LjkwIA== جزيرة ام اند امز