انتخابات فرنسا.. ما أهميتها لباريس وأوروبا والغرب؟
أيام قليلة، وتتجه أنظار العالم إلى الانتخابات البرلمانية المقبلة في فرنسا، والتي يمكن النظر إليها باعتبارها «انتخابات عالمية»، لأسباب عدة.
من بين هذه الأسباب: موقع فرنسا القيادي في الاتحاد الأوروبي ومقعدها الدائم في مجلس الأمن فضلا عن قدراتها العسكرية، بحسب صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية التي اعتبرت أن الانتخابات المقبلة قد تكون الأكثر تدميرا ليس فقط لفرنسا، بل -أيضا- الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ولما تبقى من النظام العالمي الليبرالي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وتكمن الخطورة في سيناريو فوز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة ماري لوبان وهزيمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي حاول تعزيز الاتحاد الأوروبي، والتوفيق بين الفرنسيين وقوى السوق، وإيجاد توازن جديد ومستدام بين أوروبا والولايات المتحدة.
هل تقضي على «الماكرونية»؟
ولن تمثل النتائج المتوقعة للانتخابات هزيمة الرئيس فحسب، لكن ربما تعني أيضا القضاء على «الماكرونية» أو تجربة ماكرون المشوشة، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ويسيطر الآن على الحياة السياسية في فرنسا قوتان هما اليسار المنقسم إلى حد كبير والذي يهيمن عليه الراديكاليون واليمين القومي الشعبوي المتطرف، الأمر الذي قد يستمر لعدة سنوات.
ورغم عدم اليقين من فوز التجمع الوطني في الانتخابات التي تجرى يومي 30 يونيو/حزيران الجاري و7 يوليو/تموز المقبل، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى فوز الحزب بـ260 مقعدا على الأكثر من بين مقاعد الجمعية الوطنية البالغ عددها 577 مقعدا.
لكن مرشح الحزب لرئاسة الوزراء جوردان بارديلا سبق وأعلن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أنه سيرفض تشكيل الحكومة ما لم يحصل على أغلبية واضحة (289 مقعدا) على الأقل، ومع ذلك قد يتزايد الدعم للتجمع الوطني خلال الأيام المقبلة.
وحتى لو أصبح بارديلا رئيسا للوزراء، فإن ماكرون سيظل رئيسا حتى عام 2027، لكن النظام الفرنسي رئاسي بالاسم فقط حيث تكمن السلطات الدستورية الحقيقية في البرلمان والحكومة الذين سيصبحون أصحاب القرار في حال انتمائهم لتيار سياسي مختلف عن الرئيس.
وخلال النصف الأخير من القرن الماضي، شهدت فرنسا 3 فترات قصيرة من «التعايش» بين يسار ويمين الوسط؛ حيث اختلف المعسكران حول العديد من القضايا المهمة، لكنهما اتفقا على الأساسيات الثابتة للجمهورية الفرنسية، مثل مكانتها المركزية في الاتحاد الأوروبي والتزامها بحقوق الإنسان.
لكن التجمع الوطني ورغم مساعي لوبان لتجميله، يكره الاتحاد الأوروبي وسيبذل كل الجهود لإضعافه وتدميره وفقا لـ«بوليتيكو» التي قالت إن لوبان ملتزمة بالسياسات التي من شأنها التمييز بين الفرنسيين والأجانب المقيمين وحتى بين الفرنسيين، حسب مكان الميلاد أو العرق.
وبالنسبة لأوكرانيا، انتقدت لوبان بشكل طفيف العملية العسكرية الروسية، وكانت قد حصلت على قرض كبير من بنك روسي ثم قرض من بنك مرتبط برئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان المقرب من موسكو.
ومن بين مرشحى التجمع الوطني للانتخابات، فإن هناك نحو 10 أشخاص لهم صلات مباشرة مع موسكو، بحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية التي أشارت إلى أن المرشحين الآخرين بينهم معادون للسامية وعنصريون ومتشككون في اللقاح والمناخ.
«خنجر» ضد الغرب
وبالتالي فإن «تشكيل الحزب اليميني المتطرف للحكومة سيجعلها خنجرا ضد الوحدة الغربية والأوروبية، وسيهدد بتسلل روسيا إلى المخابرات الفرنسية وبالتالي المخابرات الغربية»، بحسب الصحيفة الأمريكية.
يأتي الفوز المتوقع لليمين المتطرف في ظل شكاوى الفرنسيين من انحدار كافة الأمور للأسوأ مع ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض الأجور وانتشار الجريمة وخروج الهجرة عن السيطرة، فضلا عن انهيار الخدمات وتفاقم العجز.
لكن أداء فرنسا كان أفضل من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى فيما يتعلق بمتوسط نمو الوظائف والتضخم في السنوات الأخيرة، حتى إن مشكلة الهجرة لا تقارن بالوضع في دول أخرى مثل بريطانيا.
ولا يحظى ماكرون بأي ثناء على نجاحاته، إنما يتعرض لانتقادات مفرطة لإخفاقاته، ويتحمل الرئيس هذا الخطأ جزئيا بعدما وعد بأن يكون ثوريا وسياسيا من نوع مختلف، لكن اتضح أنه من التيار السائد كما أنه لم يبذل أي جهد لبناء حركة سياسية شعبية.
وبعد نجاحه في اكتساح ما تبقى من يمين ويسار الوسط الفاشلين، خلق ثنائية سياسية جديدة من اليمين واليسار المتطرف وهو ما خدمه جزئيا في انتخابه لفترتين رئاسيتيين.
والنتيجة الأكثر ترجيحاً أن تسفر الانتخابات المقبلة عن برلمان معطل تماما، وقد تنجح لوبان وبارديلا في الفوز، الأمر الذي يعطل أيضا القيم والتحالفات الغربية.
aXA6IDMuMTQ3LjYyLjUg جزيرة ام اند امز