انتخابات فرنسا.. هل تكسر لوبان "لعنة" الجبهة الجمهورية؟
فشل والدها قبل عقدين بدخول الإليزيه وتبخرت أحلامها بخلافة فرانسوا أولاند عام 2017 في "لعنة" شكلتها الجبهة الجمهورية ضد اليمين المتطرف.
مارين لوبان؛ مرشحة حزب "الجبهة الوطنية" بالانتخابات الرئاسية الفرنسية التي تستعد لجولتها الثانية الأحد المقبل، تسعى جاهدة من أجل كسر "لعنة" الجبهة التي حرمت والدها جان ماري لوبان في 2002 من دخول قصر الرئاسة، ومنعتها هي نفسها من تحقيق حلم حياتها بتولي رئاسة فرنسا قبل 5 سنوات.
والجبهة الجمهورية، آلية انتخابية تختزل مفهوم التنازل المتبادل بين مرشحي اليسار واليمين الجمهوري، في حال تقدم مرشح اليمين المتطرف عليهما أو على أحدهما، بشكل يسمح له بالتتويج في الدور الثاني، أي تصويت أحدهما للآخر، والانسحاب من الجولة الثانية لترك المجال للأوفر حظا لمنافسة مرشح اليمين المتطرف.
ونجحت هذه الجبهة التي ترفع مبادئ وقيم الجمهورية، في قطع الطريق بعدة استحقاقات انتخابية، أمام حزب لوبان سواء في الرئاسيات أو الانتخابات المحلية، محققة بذلك هدفها الرئيسي باستبعاد أي حزب متطرف يضع مبادئها على المحك.
لكن في ظل تنامي الإحجام عن التصويت لصالح الجبهة الجمهورية سواء من اليمين، لأسباب استراتيجية وإيديولوجية أيضًا، وداخل اليسار المناهض لليبرالية، تطفو إلى السطح المخاوف من أن يصب ذلك في مصلحة لوبان ويمنحها مفاتيح الإليزيه على طبق من ذهب.
وهذا الأحد، يقف كل من الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون (مرشح حزب الجمهورية إلى الأمام/ وسط)، ومارين لوبان مرشحة حزب "التجمع الوطني" (يمين مطرف)، بالخط النهائي لسباق الانتخابات الرئاسية، ليكون ترشحها الثالث من نوعه لليمين المتطرف للجولة الحاسمة بعد والدها في 2002، وبلوغها الدور الثاني في 2017.
تصدّع؟
على غرار فرانسوا فيلون، أعلنت مرشحة الحزب الجمهوري فاليري بيكريس، قبل 5 سنوات، صراحة، أنها ستختار ماكرون، فيما فضل الجمهوريون المشاركة ضمنيا بالجبهة، حيث دعا مكتبهم السياسي إلى "التصويت ضد مارين لوبان لقطع الطريق عليها".
لكن في 2022، لا يبدو الوضع على ما هو عليه، حيث اكتفى الجمهوريون بالقول إنه "لا يمكن الإدلاء بصوت لمارين لوبان"، ما يعني إما التصويت لماكرون أو تقديم ورقة بيضاء أو العزوف، وجميعها قد يصب لصالح لوبان، لأن هذا التوجه الذي كان مقتصرا على لوران وكيز بات على ما يبدو الخط السياسي لعائلته السياسية بأكملها (اليمين).
محللون يرون أن هذا التغيير يترجم استراتيجية اليمين للبقاء على قيد الحياة، خوفا من أن تحسب عليه المشاركة الجديدة في الجبهة الجمهورية دعما سياسيا لماكرون، ما يستبطن في النهاية تصدّعا يُخشى أن تستثمره لوبان لصالحها وتكسر "لعنة" الجبهة.
تقارب إيديولوجي
بعيدا عن الاعتبارات الاستراتيجية، فإن الأسئلة الأيديولوجية تلعب دورًا هامًا بالنسبة للجمهوريين، فمارين لوبان ليست جان ماري لوبان الذي خاض معارك ضائعة لليمين المتطرف، فهي تنتمي إلى جيل آخر، كما أن قادة من الجمهوريين يتبنون بعض أطروحاتها مثل إنشاء تفضيل وطني للتوظيف واستحداث منح التضامن والإسكان الاجتماعي، أو حتى إلغاء الحق في الأرض لصالح الحق الوحيد في الدم.
تقاطع يفرض خطوط تماس إيديولوجي بين اليمين واليمين المتطرف، وهي النقاط التي تلقي بظلالها حاليا على الجبهة الجمهورية، خصوصا عقب التعديل الطارئ على خطاب لوبان، ومحاولتها منحه البعض من الاعتدال أملا باستمالة ناخبي التيار ككل.
معضلة اليسار المناهض لليبرالية
في 2022، يواجه اليسار المناهض لليبرالية نفس المعضلة التي واجهها قبل خمس سنوات، فمن ناحية يعارض مشروع لوبان بشأن الهجرة والأمن والهوية، وفي الآن نفسه يبدو مترددا في المشاركة بالجبهة الجمهورية خلف إيمانويل ماكرون الذي تقف مشاريعه الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على نقيض جميع معارك التيار.
ومنذ مساء الجولة الأولى، دعا فابيان روسيل (الحزب الشيوعي الفرنسي)، دون تردد، إلى "استخدام ورقة الاقتراع الوحيدة المتاحة لنا للتغلب على أقصى اليمين"، فيما اكتفى جان لوك ميلينشون وزعماء حزب "فرنسا الأبية" (يسار راديكالي) بالحث على عدم "إعطاء صوت واحد للسيدة لوبان".
ففي عام 2017 كما في عام 2022، استشار التيار قواعده التي أثبتت أن الرغبة في الامتناع مستقرة (29 %)، وزاد التصويت الفارغ أو الباطل قليلاً (36 إلى 38 %)، بينما انخفض التصويت لصالح ماكرون قليلاً (من 35 إلى 33 %).
وفي غياب خيار مارين لوبان، تخفي هذه الأرقام حركة بين الناخبين من حزب ميلنشون: لن تكون نسبة الذين سيصوتون لمرشح اليمين المتطرف هامشية، وفق استطلاعات الرأي التي تجمع على أن الجبهة الجمهورية تترنح، فهل تعبر لوبان من هذه الثغرة؟
aXA6IDE4LjIyMC45Ny4xNjEg
جزيرة ام اند امز