فرنسا تواجه أزمة ربحية في عالم المهرجانات.. تحديات تهدد الاستدامة

رغم تعافي حضور الجماهير إلى مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19، تواجه المهرجانات الفرنسية تحديات مالية غير مسبوقة تهدد استدامتها، خصوصاً في القطاع المستقل.
وتشير التقارير إلى أن ارتفاع التكاليف مقابل ثبات أو تراجع الإيرادات، وتراجع المنح والرعايات، وتحكم مجموعات دولية كبرى في السوق، كلها عوامل تجعل تحقيق التوازن المالي أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
ويؤكد خبراء أن هذه الأزمة لا تهدد فقط الجانب الاقتصادي، بل قد تؤثر على تنوع العروض الثقافية في فرنسا، مما يفتح الباب أمام احتكار أكبر للشركات الكبرى وتحول المهرجانات إلى منتج ترفيهي محدود الوصول، بعيداً عن روح المشاركة الثقافية الواسعة التي ميزت المشهد الفرنسي لعقود.
من جانبه، قال ستيفان كراسنيفيسكي، المدير التنفيذي لمهرجان "ليه سودز" في "أرل" ورئيس نقابة الموسيقى المعاصرة، إن الموسم الصيفي الحالي للمهرجانات في فرنسا شهد عودة الجماهير إلى مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19، لكنه أشار إلى أن تحقيق التوازن المالي أصبح أكثر صعوبة من أي وقت مضى، خصوصاً بالنسبة للمهرجانات المستقلة.
وأوضح كراسنيفيسكي في مقابلة مع إذاعة "إر.إف.إي" الفرنسية أن ثلثي المهرجانات التي تسجل نسب حضور تفوق 90% لا تحقق أرباحاً كافية، مشيراً إلى أن السبب الرئيسي يعود إلى "تأثير المقص": ارتفاع التكاليف بشكل أسرع من زيادة الإيرادات.
وأضاف أن مصادر الدخل الأساسية للمهرجان تشمل الإيرادات الخاصة (مثل التذاكر والمشروبات والتخييم والطعام)، والشراكات الخاصة من خلال الرعاية أو الدعم المالي، وأخيراً المنح الحكومية، التي شهدت انخفاضاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، خصوصاً من قبل السلطات المحلية في 2025.
وأكد أن محاولات زيادة الإيرادات الذاتية، عبر رفع أسعار التذاكر أو توسيع السعة، تواجه تحديات كبيرة بسبب الأزمة الاقتصادية، في حين أن الشراكات والرعايات ليست دائماً سهلة التفعيل وفقاً للمنطقة أو طبيعة كل مهرجان.
وأشار كراسنيفيسكي إلى أن الوضع الحالي أسوأ مما كان عليه قبل جائحة كوفيد-19، حيث كان معدل الحضور المطلوب لتحقيق التوازن المالي 90% في 2018-2019، لكنه ارتفع إلى أكثر من 95% في 2024، مع توقع أن تسوء الأوضاع أكثر في 2025.
وحول مقارنة الوضع الفرنسي مع باقي أوروبا، أوضح كراسنيفيسكي أن الوضع مشابه تقريباً للعديد من الدول الأوروبية والعالمية، مؤكداً أن التضخم أثر على كافة البلدان، بما في ذلك كندا وأمريكا اللاتينية، حيث ارتفعت أجور الفنانين بشكل كبير بعد أزمة صناعة الموسيقى التقليدية.
وأضاف: "الاستثناء الثقافي الفرنسي يظهر في قدرة المهرجانات على الاستفادة من التطوع والنظام الفرنسي لحماية الفنانين والفنيين، ما سمح ببقاء شبكة واسعة من المهرجانات على مستوى البلاد"، بينما شهدت دول مثل النرويج والدنمارك والسويد والمملكة المتحدة تراجعاً كبيراً في المهرجانات المستقلة، وتحول جزء كبير منها نحو الترفيه التجاري المدعوم من كبار المجموعات الدولية مثل Live Nation وAEG.
وحذر كراسنيفيسكي من احتمال تحول السوق إلى احتكار أو أوليغوبول، حيث تسيطر مجموعة صغيرة من الشركات الكبرى على المهرجانات، وقاعات العرض، والفنانين، وأنظمة بيع التذاكر، مما يقلل من تنوع العروض ويرفع أسعار التذاكر، ويجعل المهرجانات أقل قدرة على الوصول للجمهور العادي.
وأشار إلى أن هذه الظاهرة بدأت تتضح في المملكة المتحدة، حيث اختفى نحو 200 مهرجان منذ 2019، وأصبح حضور مهرجان يومي يكلف ما يقارب أربعة أضعاف ما كان عليه في فرنسا، حيث يمكن للجمهور الآن حضور يوم مهرجان مقابل 50 إلى 55 يورو فقط (58.8 - 64.7 دولار).
وأضاف: "الضغط الدولي من المهرجانات الكبرى سيزيد المنافسة على الساحة العالمية، وهذا ينعكس على الأسعار ويحد من تنوع العروض، خصوصاً للفنانين والمهرجانات المستقلة".
وتابع: "المشهد الحالي للمهرجانات في فرنسا يواجه تحديات كبيرة، لكن وجود آليات دعم ثقافية واستراتيجية واضحة قد يمنع انهيار السوق بالكامل، ويحافظ على توازن بين المهرجانات الكبرى والمستقلة، وضمان استمرارية الوصول للجمهور الفرنسي".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI0IA== جزيرة ام اند امز