رجل الظل في اختبار الضوء.. هل ينقذ لوكورنو فرنسا من «الشلل»؟

من قلب العاصفة السياسية في فرنسا، تبرز محاولة إنقاذ دقيقة بقيادة شخصية تُعرف بهدوئها وكفاءتها، إنه سيباستيان لوكورنو.
واليوم الثلاثاء، بدأ رئيس الوزراء الفرنسي المستقيل سيباستيان لوكورنو، محاولة أخيرة لجمع تأييد عابر للأحزاب لتشكيل حكومة تُخرج البلاد من الجمود السياسي.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد كلّف لوكورنو (39 عاما) لتشكيل حكومة جديدة، الشهر الماضي، بعدما أسقط البرلمان حكومة فرنسوا بايرو بسبب مشروع ميزانية تقشفية.
وأمس الأول الأحد، أعلن قصر الاليزيه تشكيلة حكومة لوكورنو. لكن الأخير سرعان ما واجه انتقادات لتضمّن حكومته وزراء من الحكومة السابقة.قبل أن يقدم استقالته إلى ماكرون صباح الإثنين.
لكنه عاد ووافق الثلاثاء على اقتراح من الرئيس يقضي بإمهاله يومين حتى مساء الأربعاء، يقوم فيها بمساع لإنقاذ حكومته.
أولويات لوكورنو
وبحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في صحيفة لوموند الفرنسية، فقد اقترح لوكورنو، خلال لقائه صباح الثلاثاء مع قادة ما يُعرف بـ"الكتلة المشتركة" – التي تضم ممثلين عن المعسكر الرئاسي وأحزاب يمين الوسط – تركيز النقاشات على أولويتين رئيسيتين هما:
تمرير ميزانيتي الدولة والضمان الاجتماعي.
حسم مستقبل كاليدونيا الجديدة.
وذلك على اعتبار أن هذين الملفين يمسان استقرار البلاد وتوازنها السياسي.
وشارك في الاجتماعات شخصيات بارزة مثل غابرييل أتال ممثلا لحزب "النهضة"، وإدوار فيليب زعيم حزب "آفاق"، ومارك فيزنو عن حزب "موديم".
وأبدى الجميع رغبة مشتركة في الوصول إلى حل سريع، في ظل ما وصفته لوموند بـ"حالة الطوارئ السياسية والمالية" التي تمر بها فرنسا.
في نهاية اللقاء، أصدر مكتب لوكورنو بيانا أوضح فيه أن المباحثات تركزت على أولويتين وطنيتين أساسيتين، هما: إقرار ميزانية الدولة والضمان الاجتماعي، وهي قضية وصفها بأنها "استعجالية لتجنب شلل مؤسسات الدولة".
أما الملف الثاني فكان مستقبل كاليدونيا الجديدة، الإقليم الفرنسي الذي يشهد توترا متزايدا ويُعد قضية سيادية حساسة، وفقا لصحيفة لوفيجارو" الفرنسية.
وأفاد البيان أن "جميع الأطراف اتفقت على الطابع العاجل لهذين الملفين، وأبدت إرادة مشتركة في إيجاد مخرج سريع".
فيما جرى نقاش معمق حول الخيارات الممكنة لتسوية الأزمة المالية والسياسية عبر تفاهمات برلمانية مع المعارضة.
رجل المراحل الانتقالية
ووفقا لصحيفة "لوباريزيان" الفرنسية فإن تكليف لوكورنو بهذه المهمة "ليس صدفة".
فالرجل البالغ من العمر 38 عاما، الذي بدأ مسيرته في الإدارة المحلية قبل أن يتولى حقائب وزارية مهمة بينها الدفاع، يُعرف بقدرته على التهدئة وإدارة الملفات المعقدة.
ويصفه مقربون منه بأنه "سياسي براغماتي، لا يسعى إلى الأضواء بقدر ما يفضل العمل في الظل وإيجاد حلول وسط".
ولفتت الصحيفة الفرنسية نقلا عن مصادر مقربة، أن المفارقة الكبرى تكمن في أن لوكورنو نفسه لا يرغب في العودة إلى رئاسة الحكومة حتى لو نجحت المفاوضات.
وبالنسبة للوكورنو، فإن المهم هو إعادة الاستقرار السياسي وليس إعادة نفسه إلى المنصب.
خلفية أزمة تهدد تماسك الأغلبية
تأتي هذه التحركات في سياق توتر متصاعد داخل المعسكر الحاكم بعد سلسلة من الاستقالات والانقسامات، أبرزها استقالة برونو ريتايو من وزارة الداخلية، والتي فُسرت على أنها مؤشر على تصدع التحالف بين حزب الرئيس "النهضة" وحزب "الجمهوريين"، وفقا لصحيفة "لوفيجارو" الفرنسية.
ويخشى مراقبون من أن تؤدي هذه الانقسامات إلى فقدان الحكومة قدرتها على تمرير الموازنة في البرلمان، ما قد يفتح الباب أمام أزمة دستورية جديدة أو حتى انتخابات مبكرة.
في المقابل، يبدو المشهد في اليسار الفرنسي أكثر تشتتا. فقد قرر كلٌ من الحزب الشيوعي (PCF) والحزب الاشتراكي (PS) مقاطعة اجتماع "الجبهة الشعبية الجديدة" الذي دعت إليه مارين تونديلييه، بسبب خلافات حادة مع حزب فرنسا الأبية بزعامة جان لوك ميلانشون.
ويرى الحزب الشيوعي أن تكتيكات ميلانشون الانتخابية، خصوصاً ترشيح مرشحين ضد رؤساء بلديات شيوعيين في الانتخابات البلدية المقبلة، تجعل أي تحالف سياسي "مستحيلاً حالياً".
فرص لوكورنو وحدودها
في ظل هذا المشهد المعقد، تبرز فرص لوكورنو باعتباره شخصية توافقية مقبولة لدى معظم الأطراف، خصوصا أنه لا يمثل تهديدا سياسيا مباشرا لأي طرف، ولا يملك طموحا ظاهرا للعودة إلى رئاسة الحكومة.
هذه السمات تمنحه مساحة حركة أوسع للتقريب بين المواقف، خاصة في الملفات التقنية كالموازنة العامة، لكنه يواجه مع ذلك حقل ألغام سياسي يصعب تجاوزه بسهولة.
فمن جهة، لا تزال المعارضة اليمينية المتشددة بقيادة مارين لوبان ترفض أي تسوية تُبقي على هيمنة معسكر ماكرون، بينما تراهن قوى اليسار على تفاقم الأزمة لتعزيز موقعها في أي انتخابات مستقبلية.
ومن جهة أخرى، يواجه لوكورنو ضغوطاً من داخل التحالف الحاكم نفسه، حيث تتزايد الدعوات لإعادة النظر في قيادة الحكومة وصلاحيات الرئيس، ما يجعل أي اتفاق مؤقتاً بطبيعته.
ماكرون يبحث عن استقرار قصير الأمد
أما الرئيس إيمانويل ماكرون فيراهن على أن ينجح لوكورنو في هندسة توافق مرحلي يسمح بتمرير الموازنة وتهدئة التوترات إلى حين إيجاد صيغة حكومية جديدة.
ويرى مراقبون أن ماكرون يفضّل شخصية "ميدانية وهادئة" مثل لوكورنو لإدارة هذه المرحلة الحساسة، قبل أن يعيد رسم خريطة السلطة التنفيذية لاحقاً، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
ومع ذلك، فإن أي إخفاق في هذه المفاوضات سيفتح الباب أمام مرحلة من المجهول السياسي، قد تشمل حتى حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات مبكرة، في مشهد يذكّر بأزمات الجمهورية الرابعة.
مهمة دقيقة على خيط رفيع
في نهاية المطاف، تبدو مهمة سيباستيان لوكورنو مزيجا من الدبلوماسية والواقعية السياسية. فهو يتحرك على خيط رفيع بين أطراف متنازعة ومصالح متشابكة، محاولاً بناء توافق مؤقت يجنّب البلاد تصعيدا جديدا.
وكما تقول "لوموند، إنه " رغم ضيق الوقت وتعدد العقبات، فإن خبرته في إدارة الأزمات، وهدوءه السياسي، وابتعاده النسبي عن صراعات الزعامة، قد تشكل عناصر قوة في سعيه لتحقيق ما عجز عنه كثيرون قبله.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjQg جزيرة ام اند امز