رحيل فرنسا من مالي.. لهيب الانسحاب يلفح الساحل الأفريقي
بعد 9 سنوات من الوجود العسكري بمنطقة الساحل غادر آخر الجنود الفرنسيين مالي في خطوة تنهي واحدة من أكبر عمليات الجيش الفرنسي بالخارج.
وأمس الإثنين، غادر آخر الجنود المشاركين في عملية "برخان" الفرنسية، أراضي البلد الأفريقي، ليكتمل بذلك انسحاب أعلن عنه الرئيس إيمانويل ماكرون في فبراير/ شباط الماضي، في عملية تفجر استفهامات حول تداعيات القرار على أمن بلد يُخشى أن يتحول مجددا إلى قاعدة خلفية للتنظيمات الإرهابية.
الخبر أكدته هيئة الأركان العامة الفرنسية في بيان قالت فيه إن "آخر وحدة من قوة برخان الموجودة على الأراضي المالية عبرت الحدود بين مالي والنيجر، وتمت مواجهة هذا التحدي اللوجستي الكبير بترتيب جيد وأمان، وكذلك بشفافية تامة مع جميع الشركاء".
وفي 17 فبراير/شباط الماضي، أطلق ماكرون عملية انسحاب القوات الفرنسية من مالي، وجرى منذ ذلك الحين ربط قوافل جوية وبرية بين قاعدة غاو شمالي مالي والنيجر.
وأكد الإليزيه التزام باريس المستمر بمنطقة الساحل وبقية أفريقيا "مع جميع الشركاء الملتزمين بالاستقرار ومكافحة الإرهاب"، في وقت لا تزال فيه القوات الفرنسية منتشرة في تشاد والنيجر، البلدان الذين وصفهما البيان بـ "الشريكين الأساسيين".
قاعدة خلفية
رغم أن باريس قد تنقل مركز محاربتها للإرهاب في الساحل الأفريقي إلى النيجر، إلا أن خبراء لم يخفوا مخاوفهم من إخلاء مالي من وجود كان يشكل حائط صد في منطقة تعد معقلا لتنظيمي القاعدة وداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية.
فالانتشار الفرنسي الذي استمر لـ9 سنوات حقق - رغم التحديات - مكاسب جوهرية، ما يعني أن انسحاب قواتها قد يحول مالي مجددا إلى قاعدة خلفية للجماعات الإرهابية، وسينعكس ذلك مباشرة على أمن منطقة الساحل الأفريقي ومن بعدها دول عربية كثيرة بمقدمتها بلدان المغرب العربي.
فبالنسبة لهذه المناطق، يشكل الانسحاب الفرنسي من مالي، ومن بعده تعليق العمليات العسكرية الألمانية، ضربة قاصمة لجهود مكافحة الإرهاب بهذا البلد الذي يشكل عمق الساحل، كما أنه في حال إعادة انتشار القوات الأوروبية -على الأقل وفق الخطة الفرنسية- قد لا يشكل بديلا فاعلا ضد التنظيمات التي تتحين ما ستخلفه المواقف من ثغرات.
وبالتالي، فإنه في حال استعادت التنظيمات الإرهابية قدرتها على تنظيم صفوفها بشكل أكبر، مستثمرة الفراغ العسكري، فإن مالي ستتحول مجددا إلى قاعدة خلفية للجماعات الإرهابية، وهذا الأمر قد يمثل خطرا على منطقة الساحل ومن ورائها ليبيا أيضا، وخصوصا منطقة فزان الواقعة في أقصى الجنوب، والتي كانت في السابق قاعدة خلفية للإرهابيين، وقد تستعيد دورها في سيناريوهات مشابهة.
ومما تقدم، يبرز جليا أن رحيل فرنسا من مالي ستكون له ارتدادات وخيمة في الساحل الأفريقي وفي الخارج عموما، ما يسهل إعادة تشكيل طرق الإمداد ومصادر التمويل للعديد من التنظيمات الإرهابية الناشطة جنوب الصحراء الكبرى.
محطات الوجود الفرنسي بمالي
منذ إطلاق عملية سرفال الفرنسية في مالي عام 2013 والتي نقلت عام 2014 إلى قوة برخان، التي أنجزت الإثنين انسحابها من البلاد، بدفع من المجلس العسكري الحاكم، بمالي، مر الوجود الفرنسي بعدة محطات.
- سرفال
في مارس/آذار 2012، سيطر المتمردون الطوارق الانفصاليون على مناطق الشمال الثلاث كيدال وغاو ثم تمبكتو (شمال مالي). لكنهم ما لبثوا أن أُبعدوا على أيدي شركائهم المرتبطين بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
في 11 يناير/كانون الثاني 2013، أطلقت فرنسا عملية سرفال في مالي لوقف تقدم الجهاديين.
في نهاية يناير/كانون الثاني، استعاد الجنود الفرنسيون والماليون مدينة غاو ثم دخلوا إلى تمبكتو من دون قتال قبل أن يسيطروا على مطار كيدال.
بعد ثلاثة أسابيع من بدء التدخل الفرنسي، لقي الرئيس الفرنسي آنذاك فرنسوا هولاند استقبال الفاتحين في باماكو وتمبكتو.
في الأول من يوليو/تموز، أطلقت "عملية الأمم المتحدة المتكاملة لإحلال الاستقرار في مالي" (مينوسما)، وحلت محل قوة إفريقية.
- برخان
في مايو/أيار 2014، استعادت مجموعات متمردة من الطوارق والعرب السيطرة على كيدال بعد مواجهات مني فيها الجيش المالي بهزيمة كبيرة.
في الأول من آب/اغسطس، حلت محل "سرفال" عملية "برخان" ذات الأبعاد الإقليمية بمشاركة ثلاثة آلاف جندي فرنسي في منطقة الساحل.
في مايو/أيار- يونيو/حزيران 2015 وقع اتفاق السلام في الجزائر العاصمة بين الحكومة المالية والمتمردين السابقين من الطوارق، لكن تطبيقه بقي صعبا.
منذ ذلك الحين، امتدت أعمال العنف إلى الجنوب ثم إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين.
- اعتداءات
اعتبارا من 2015، تضاعفت الهجمات على القوات المالية والأجنبية والأماكن التي يرتادها أجانب. وقد استخدمت فيها عبوات يدوية الصنع، كما نفذ متشددون هجمات خاطفة على دراجات نارية وغيرها.
في مارس/آذار 2017، اتحد الإرهابيون المرتبطون بتنظيم القاعدة لبلاد المغرب الإسلامي وحركة الداعية الفولاني المتطرف امادو كوفا الذي ظهر في 2015 في وسط مالي، تحت مظلة "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" بقيادة الزعيم إياد أغ غالي المنتمي إلى الطوارق.
أواخر عام 2019، قُتل 13 جنديًا فرنسيًا جراء حادث تصادم مروحيتين.
وانتشر تنظيم داعش أيضا في الصحراء الكبرى وشنّ سلسلة من الهجمات الواسعة على قواعد عسكرية في مالي والنيجر.
وصُنف داعش العدو الأول خلال قمة بو (جنوب غرب فرنسا) في كانون الثاني/يناير 2020 بين باريس وشركائها في مجموعة دول الساحل الخمس (موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد).
- سقوط قادة
بالإضافة إلى تركيزها على تنظيم داعش، واصلت "برخان" في 2020 سياستها في القضاء على الكوادر الإرهابية.
في الرابع من يونيو/حزيران، قتلت قوة برخان زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الجزائري عبد المالك دروكدال في مالي في نجاح رمزي كبير. في تشرين الثاني/نوفمبر، قتلت فرنسا بالرصاص "القائد العسكري" للحركة باه أغ موسى.
لكن المتشددين لم يخففوا قبضتهم. فقد قتل تنظيم داعش في الصحراء ستة عمال إغاثة فرنسيين في آب/أغسطس 2020 في النيجر.
في 2021 قتلت القوات الفرنسية زعيم تنظيم داعش في الصحراء الكبرى عدنان أبو وليد الصحراوي.
- انقلابات متتالية وفرنسا تحزم أمتعتها
في 18 اغسطس/آب 2020، أطاح انقلاب بالرئيس المالي إبراهيم أبوبكر كيتا؛ الذي انتخب في 2013 بعد أشهر من أزمة سياسية
تدهورت العلاقات بين باريس وباماكو بعد انقلاب جديد في 24 أيار/مايو 2021.
في 10 يونيو/حزيران 2021 أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرحيل التدريجي لخمسة آلاف عنصر من قوة برخان لإبقاء قوة مخفضة من 2500 إلى 3000 رجل.
في 25 سبتمبر/أيلول 2021 اتهم رئيس الوزراء المالي فرنسا "بالتخلي في منتصف الطريق" عن بلاده مع خفض عديد برخان مبررا ضرورة "البحث عن شركاء آخرين".
في 30 سبتمبر/أيلول وصف ماكرون تصريحاته بأنها "مخزية".
في نهاية ديسمبر/كانون الأول نددت حوالى 15 قوة غربية بينها باريس ببدء انتشار مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية في مالي.
في 9 يناير/كانون الثاني 2022 أغلقت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، حدودها مع مالي وفرضت عليها حظرا بسبب إرجاء انتخابات رئاسية وتشريعية، كانت مرتقبة في 27 شباط/فبراير، ثم رفع الحظر في تموز/يوليو الماضي.
في 15 أغسطس/آب، أعلنت فرنسا سحب آخر جنودها ضمن قوة برخان، من دولة مالي.
aXA6IDE4LjExNy4xNjYuMTkzIA== جزيرة ام اند امز