نائل.. "الفتى المحبوب" الذي أشعل فرنسا
ملامحه طفولية لدرجة أن من يراه يعتقد أنه في سنوات مراهقته الأولى وابتسامته التي لا تغادر محياه تبعث بمشاعر من الألفة مع كل من يصادفه.
نائل المرزوقي، الفتى الذي أشعل بمقتله فرنسا وجعلها محط أنظار العالم، لم يكن يتوقع أنه حين قبّل والدته في ذلك اليوم، ستكون قبلة الوداع الأخيرة.
خرج نائل من منزله لكنه لم يعد إليه أبدا، حيث لقي حتفه برصاص شرطي أطلق النار عليه الثلاثاء أثناء عملية تدقيق مروري في نانتير بالضاحية الغربية للعاصمة باريس.
وثق مقطع فيديو مقتل الشاب المنحدر من أصول جزائرية، وانتشر كاللهيب عبر مواقع التواصل لتطال ألسنة اللهب العديد من الأحياء والمدن ويعود للواجهة جدل عنصرية الشرطة.
وبالتوازي مع الاحتجاجات، اندلعت أعمال الشغب والعنف في العديد من مدن فرنسا، وباتت النيران وهي تلتهم سيارات الشرطة، المشاهد الرئيسية على شاشات القنوات المحلية وعبر العالم.
فمن هو نائل مرزوقي؟
كان فتى عاديا، في السابعة عشرة من عمره، وكان يعيش مع والدته فقط ولم يكن يعرف والده، وكان أيضا حسن السيرة، ومحبوبا جدا في الحي، وفق محامي عائلته.
كان نائل يعمل في توصيل البيتزا بمدينة نانتير، وفي صباح ذلك اليوم الذي سيلقى فيه حتفه، استيقظ كعادته، وحين دخل لتحية والدته كان على تمام الأهبة للخروج.
"قبلني قبلة كبيرة"، تقول والدته وهي تروي في مقطع فيديو اللحظات الأخيرة التي جمعتها بابنها، وتضيف: قال لي: أمي أنا أحبك. قلت له: أحبك، اعتن بنفسك".
كانت تلك آخر الكلمات وآخر مرة تراه فيها قبل أن يصلها النبأ الحزين، بدت في حالة ذهول وصدمة وهي تسأل نفسها بعد دقيقة من الصمت: "ماذا سأفعل؟".
خرج نائل وبعدها كان يقود سيارة من نوع مرسيدس مستأجرة رغم أنه لم يكن لديه رخصة قيادة، لكنّ محامي الأسرة يؤكد "أن الحكومة سجلت للتو مرور رخصة القيادة لعمر 17 عاما".
أوقفته الشرطة من أجل تدقيق مروري، كان نائل يبدو يافعا لدرجة أن من يراه لن يتكهن أبدا بأنه في السابعة عشرة، ويبدو أن هذا ما أثار شكوك الشرطة التي أوقفته من أجل تدقيق مروري.
لكن نائل الذي يدرك أنه ارتكب مخالفة بقيادته السيارة دون رخصة، حاول الفرار، إلا أن رصاص شرطي لاحقه ليصيبه في صدره ويموت دون أن يتمكن المسعفون من إنقاذه.
أما والدته المنهارة فكانت آخر كلماتها عنه "كان حياتي، كان أعز أصدقائي، كان ابني، وكان كل شيء بالنسبة لي. كنا نساند بعضنا".
محبوب
كان "محبوبا جدا" في الحي، كما قال محامي عائلته الذي تحدثوا صباح الأربعاء على قناة "بي أف أم تي في".
كان نائل رياضيا يلعب الرغبي لمدة ثلاث سنوات، ولم يكن لديه سجل جنائي، فلقد كان فتى مسالما محبوبا بعيدا عن المخدرات أو جميع ما يمكن أن يجنح إليه مراهق في سنه.
سيرة حسنة أكدها رئيس نادي جمعيات حيث لعب نائل، بالقول: "كان شخصً لديه الإرادة للتوافق اجتماعيًا ومهنيا، وليس طفلا عاش متهورا ارتكب جرائم سرقات أو تعاطى مخدرات".
وأضاف المسؤول الرياضي في تصريحات لإعلام محلي: "كان مراهقا "يصغي ويصمم على تدبر الأمور".
لكن مقربين منه يقولون إنه كان يعاني مما يشبه الرهاب من الشرطة، وهذا ما يفسر رفضه الامتثال لعناصرها، وقد يفسر أيضا محاولة هروبه قبل مقتله.
رفض نائل الامتثال لشرطي أمره بالتوقف فأطلق عليه النار من سلاحه، فتوفي الفتى بعد وقت قصير من إصابته برصاصة في صدره على الرغم من تدخل المسعفين الذين قدموا له كل الإسعافات الممكنة.
توفي نائل برصاصة شرطي، فاشتعلت فرنسا وخصوصا الأحياء الفقيرة، هناك حيث يشتكي الناس من التهميش والتمييز، ومن المنتظر أن تقام الجنازة السبت، بحسب ما أعلن رئيس بلدية نانتير.
ويقول محمد جاكوبي، صديق أسرة الضحية والذي شاهد نائل وهو يكبر منذ أن كان طفلا، إن ما يؤجج حالة الغضب هذه هو الشعور بالظلم في الأحياء الفقيرة بعد أن مارست قوات الشرطة العنف ضد الأقليات العرقية، والذين ينحدر الكثيرون منهم من المستعمرات الفرنسية في السابق.
ويضيف: "سئمنا، نحن فرنسيون أيضا. نحن ضد العنف ولسنا حثالة".
وبعدما صحا الفرنسيون لليوم الرابع على التوالي، على مشاهد متاجر منهوبة وسيارات محروقة ومبان عامة دُمّرت واجهاتها، حاولت الحكومة احتواء أعمال الشغب والتخريب بسماحها للدرك بإنزال عربات مصفحة إلى الشوارع، لكن من دون أن تذهب إلى حد إعلان حالة الطوارئ، وهو مطلب رفع لواءه عدد من السياسيين.
aXA6IDMuMTM3LjE2Ni42MSA= جزيرة ام اند امز