ضغوط «الساحل» وشعرة «الوسط».. فرنسا تعيد ترتيب أوراقها في أفريقيا
قبل خروج تقرير طلبه الرئيس إيمانويل ماكرون للنور، تتجه فرنسا لإعادة ترتيب أوراقها بأفريقيا، إثر ضغوط دول الساحل وبقايا وجود بالوسط.
وخلال السنوات القليلة الماضية، ضغطت دول الساحل الأفريقي، دولة تلو الأخرى، على فرنسا، بقوة، وفضّت الاشتباك معها، وصولا إلى سحب باريس جنودها من هذه الدول، لكن لا تزال تملك وجودا مهددا في بلدان أخرى.
وفي إشارة إلى "قطيعة كاملة مع باريس"، شكّلت بلدان المثلث الساحلي مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتحادا كونفدراليا بينها، بعد أن أنهت وجود فرنسا العسكري على أراضيها.
وجاء التفكير في هذا الاتحاد الكونفدرالي، بعد عدد من القرارات الموحدة التي اتخذتها البلدان الثلاثة، بالاتفاق على إخراج القوات الفرنسية من أراضيها، والتوقيع على تحالف عسكري لمواجهة المخاطر التي تواجه بلدانهم وعلى رأسها مكافحة الإرهاب.
عدوى الساحل بدأت تنتشر لدول أخرى ترتبط بعلاقات قوية مع باريس وتشهد وجودا عسكريا فرنسيا،
والشهر الماضي، ألمح رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو، إلى إمكانية إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية في بلاده الواقعة في غرب أفريقيا.
وقال سونكو "بعد مرور أكثر من 60 عاماً على استقلالنا... يجب أن نتساءل عن الأسباب التي تجعل الجيش الفرنسي على سبيل المثال لا يزال يستفيد من عدة قواعد عسكرية في بلادنا، ومدى تأثير هذا الوجود على سيادتنا الوطنية واستقلالنا الاستراتيجي".
وأضاف "أكرر هنا رغبة السنغال في أن تكون لها سيطرتها الخاصة، وهو ما يتعارض مع الوجود الدائم لقواعد عسكرية أجنبية في السنغال... لقد وعدت العديد من الدول باتفاقيات دفاعية، لكن هذا لا يبرر حقيقة أن ثلث منطقة داكار محتل الآن بحاميات أجنبية".
استراتيجية جديدة
وأمام هذا التحول الجيوسياسي ضد الوجود الفرنسي، خرجت تقارير عن اعتزام باريس تقليص وجودها العسكري في غرب ووسط أفريقيا إلى نحو 600 جندي تماشيا مع خطط ماكرون.
في فبراير/شباط 2023، أعلن ماكرون عن "تخفيض ملحوظ" لوجود القوات الفرنسية في أفريقيا، مع تزايد المشاعر المعادية لبلاده في بعض المستعمرات السابقة وسعي دول مثل روسيا لتعزيز نفوذها فيها.
ووفق خطة قيد المناقشة مع شركاء أفارقة، تخطط فرنسا لخفض كبير في عديد قواتها "المنتشرة مسبقا" في أفريقيا.
وأفاد مصدران قريبان من الحكومة ومصدر عسكري، وكالة "فرانس برس"، بأن فرنسا ستبقي نحو 100 جندي فقط في الغابون بوسط أفريقيا وعددا مماثلا في السنغال في غرب القارة، مقارنة بـ350 جنديا حاليا في كل من البلدين.
كما تعتزم باريس إبقاء نحو 100 جندي في ساحل العاج على الساحل الجنوبي لغرب أفريقيا مقابل 600 جندي حاليا، ونحو 300 جندي في تشاد في شمال وسط القارة، مقارنة بألف جندي في الوقت الراهن..
ولفتت المصادر إلى أن عدد الجنود يمكن رفعه بشكل دوري بناء على احتياجات الشركاء المحليين. ورفضت هيئة الأركان العامة الفرنسية التعليق على هذه التصريحات.
"تراجع كبير"
بالإضافة إلى حوالى 1600 جندي منتشرين في غرب أفريقيا والغابون، كان لفرنسا حتى عامين أكثر من 5000 جندي في منطقة الساحل الأفريقي كجزء من عملية برخان لمكافحة التنظيمات الإرهابية.
لكن باريس سحبت قواتها تدريجيا بطلب من العسكريين الذين وصلوا إلى السلطة في مالي عام 2021، وبوركينا فاسو في 2022، والنيجر في عام 2023.
وأبرمت الدول الثلاث اتفاقيات أمنية مع روسيا التي تسعى إلى توسيع حضورها في القارة.
تشاد التي يحكمها محمد إدريس ديبي، نجل إدريس ديبي إيتنو الذي ظل رئيسا لأكثر من 30 عاما، هي آخر دولة في منطقة الساحل تستضيف جنودا فرنسيين.
في فبراير/شباط الماضي، كلف ماكرون الوزير السابق جان ماري بوكيل بوضع تصورات جديدة للوجود العسكري الفرنسي في دول أفريقية شريكة. ومن المتوقع أن يسلم خلاصاته في يوليو/تموز.
وقال مصدران لوكالة "فرانس برس" إن الجيش الفرنسي يعتزم إنشاء قيادة مقرها باريس مخصصة لأفريقيا هذا الصيف.
وبدلا من المهام القتالية، سيقوم الجنود الفرنسيون أساسا بتوفير التدريب والقدرات للدول الأفريقية الشريكة، بناء على طلبها.
ووفق مراقبين، فإن هذه الإجراءات تعد بمثابة "إعادة لترتيب الأوراق الفرنسية" في القارة السمراء، وانحناء أمام عاصفة "غير مواتية" في أفريقيا، تجنبا لسيناريو فض الارتباط الكامل معها، في حال استمرار الرياح المعاكسة الحالية.
وفي وقت سابق، قال الدكتور عبد المهيمن محمد الأمين، مدير جامعة الميغلي الأهلية الدولية بالنيجر، لـ«العين الإخبارية"، إن باريس "لن تهدأ وستحاول العودة إلى منطقة الساحل باستخدام مختلف الوسائل".