فرنسا تواجه جيلا جديدا من الإرهابيين.. أصغر سنا وأكثر خطورة
في تطور مقلق، كشفت البيانات الرسمية الفرنسية، تحولا جذريا في طبيعة التهديد الإرهابي، إذ بات منفذو العمليات أصغر سنا وأكثر خطرا.
ووفق الإحصاءات الصادرة عن أجهزة الاستخبارات والأمن الداخلي الفرنسية، تحديدًا من بيانات المديرية العامة للأمن الداخلي (DGSI) والنيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب (PNAT)، فإن نحو 70% من الموقوفين في قضايا إرهابية، دون سن الـ21 عاماً.
فيما كان ثلثا منفذي الهجمات منذ عام 2020 غير معروفين مسبقا للسلطات، والأخطر أن أكثر من نصف الهجمات أو المحاولات منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 مرتبطة بالحرب على غزة، وفق ما نقلته صحيفة "لوموند" الفرنسية.
ونقلت الصحيفة عن أجهزة الأمن، أن ما يقرب من 70% من الاعتقالات المرتبطة بقضايا إرهابية، في الوقت الراهن، تطال أفرادًا دون سن الـ21 عامًا، وثلثا منفذي الهجمات منذ عام 2020 لم يكونوا مسجلين لدى أجهزة الأمن.
وبحسب الصحيفة الفرنسية، فإنه بعد مرور عشر سنوات على هجمات 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 في باريس، يبقى مستوى التهديد الإرهابي في فرنسا مرتفعًا، رغم تسجيل تغيّر جذري في شكل التهديد.
ففرنسا لا تزال هدفًا مفضلًا للإرهاب، لكن الخطر لم يعد مرتبطًا بالتنظيمات الكبرى مثل تنظيم "داعش" الإرهابي أو القاعدة اللذين تراجعا بفعل الضربات العسكرية، بل يأتي من أفراد يستلهمون منهج هذه التنظيمات دون انتماء مباشر لها.
سمات محددة
هنا، أوضحت "لوموند": "نحن الآن في مرحلة ما يسمى بالإرهاب المُلهم، وهو إرهاب تغذيه الدعاية المنتشرة بكثافة عبر الإنترنت وبالأخص على مجموعات تليغرام".
وأضافت أن الإرهابيين الجدد مستقلون، يعيشون داخل فرنسا، وصغار السن، ومنعزلون اجتماعيا، بل يعاني بعضهم من اضطرابات نفسية.
وينفذ هؤلاء الهجمات بوسائل بدائية: 75% من العمليات منذ عام 2020 نٌفذت باستخدام أسلحة بيضاء.
وتكشف بيانات أجهزة الاستخبارات، أن ثلثي منفذي العمليات منذ 2020 لم تكن لهم أي سجلات أمنية، ما يعني أنهم مجهولون تمامًا للسلطات، ويحددون أهدافهم بأنفسهم، ويتصرفون دون تلقي أوامر خارجية.
وقد يبدو هذا التهديد أقل خطورة مقارنة بالهجمات التي نفذتها خلايا محترفة مدربة في سوريا وتسللت إلى فرنسا بأسلحة متقدمة كما حدث في عام 2015، لكنه ألحق آثارًا مدمّرة بالمجتمع والسياسة الفرنسية.
ويكفي التذكير بعمليات قتل المعلمين صامويل باتي عام 2020، ودومينيك برنار عام 2023، اللذين اغتالهما شبّان متطرفون في باحات مدارسهم، وفق لوموند.
جيل رقمي
يرتبط هذا التغيير بعامل خطير: صغر السن يعني اندفاعًا أكبر وصعوبة في التنبؤ بالسلوك، فالشباب اليوم أكثر ارتباطًا بالعالم الرقمي، وقادرون على محو آثارهم الإلكترونية بسرعة، والتواصل مع متطرفين آخرين بطريقة غير قابلة للرصد بسهولة.
هذه المرونة الرقمية تضع أجهزة الأمن، أمام تحدي هائل فيما يتعلق بكشف التهديدات ومراقبتها، إذ تُخصص الأخيرة نصف طواقمها لعمليات التسلل الإلكتروني طويلة المدى.
منذ 2023، ومن بين 37 شخصًا أوقفوا بتهمة التخطيط لعمليات إرهابية، 70% كانوا تحت سن الـ21 عامًا، من بينهم قُصّر في سن 15 و16 عامًا.
ووضعت الشرطة عددًا من هؤلاء تحت قيود قانونية تجبرهم على عدم مغادرة نطاق محدد أو البقاء في منزل العائلة.
ومنذ مطلع 2025، أحبطت السلطات 6 عمليات تخطيط لهجمات، كان أعمار المشتبهين فيها بين 17 و22 عامًا.
وبعد تراجع واضح في عدد الهجمات ما بين 2017 و2023، بدأت الأرقام ترتفع مجددًا اعتبارًا من نهاية 2023، تزامنًا مع هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل، والحرب الإسرائيلية في غزة.
وعلى الرغم من وقف إطلاق النار الهش منذ أكتوبر الماضي، ما تزال حرب غزة محورًا رئيسيًا في الخطاب الإرهابي على الإنترنت. وبحسب مصادر أمنية، أصبحت الحرب إضافة إلى “الرد على التجديف” و“الإسلاموفوبيا” من أبرز دوافع التعبئة الإرهابية.