هل يبتلع النيجر نفوذ فرنسا بساحل أفريقيا؟.. "العين الإخبارية" تستطلع آراء خبراء غربيين
هل يهدد انسحاب فرنسا من النيجر نفوذها بالساحل الأفريقي؟ وهل أن باريس لا تزال قادرة على تأمين مصالحها بالمنطقة في ظل نكساتها الأخيرة؟
استفهامات عديدة يفجرها إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منذ يومين، انسحاب سفيره وقواته المتمركزة بالنيجر بحلول نهاية 2023.
ومع أن الخروج الفرنسي من بلد كان حتى وقت قريب أوثق حلفائه وأبرز مزوديه باليورانيوم يشكل ضربة قاصمة لمصالح باريس، إلا أن خبراء يعتقدون أن الخطوة لن تؤثر على المصالح الفرنسية.
انسحاب فرنسا من النيجر.. وثيقة "استسلام" تحترق بنار الغموض
فيما يرى آخرون في الانسحاب انتصارا لأفريقيا على السياسات الفرنسية وضربا لمصطلح "فرنسا الأفريقية"، وأن يظل من الصعب عليهم الحديث عن "انفصال تام" بين باريس والقارة السمراء.
الجنود والمعدات الثقيلة.. خريطة انسحاب فرنسا من النيجر
وينتشر نحو 1500 جندي فرنسي في الدولة غير الساحلية الواقعة غرب أفريقيا للمساعدة في التصدي للإرهابيين، وللولايات المتحدة أيضًا أكثر من ألف جندي في هذا البلد لكن لم يُطلب منهم المغادرة.
"مصالح آمنة؟"
يرى أوليفييه كرون، المستشار السياسي السابق للاتحاد الأوروبي أن "المصالح الفرنسية في منطقة الساحل آمنة بشكل أساسي، على الرغم من هذا الانسحاب".
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، يقول كرون إن "المبادئ لم تعد كافية"، موضحا أن "ربط استئناف التعاون بإجراء الانتخابات والمبادئ الديمقراطية لم يعد كافيا".
وتابع :"لا ينبغي إنكار ذلك، فالانقلابات لها قاعدة شعبية: يجب على فرنسا والمجتمع الدولي أن يأخذا هذا البعد بعين الاعتبار".
وأوضح كرون :"تلتزم فرنسا اليوم بمبدأ عدم التعاون وعدم الاعتراف بالحكومات غير المنتخبة ديمقراطياً. ومع ذلك، في البلدان التي تحدث فيها تغييرات غير دستورية في ظروف معينة، لا ينبغي لفرنسا أن توقف علاقاتها الدبلوماسية والعسكرية؛ لأنه بغض النظر عما يقال، تظل فرنسا شريكا مميزا للنيجر وهذه المناطق الساحلية".
ناقوس خطر
من جانبها، قالت الباحثة السياسية في مالي، تيامبل جيمبايارا: "لا يمكننا الحديث عن الانفصال التام بين أفريقيا وفرنسا، الكلمة قاسية جداً. لكن علينا أن ندق ناقوس الخطر بشأن العلاقات بين النيجر وفرنسا والعلاقات بين فرنسا ودول غرب أفريقيا على نطاق أوسع".
وأوضحت جيمبايارا لـ"العين الإخبارية"، أنه على مستوى الإدراك الشعبي، فإن هذا الانسحاب "يعزز في جميع أنحاء القارة فكرة انتصار عموم أفريقيا على السياسة الإمبريالية الفرنسية".
ولفتت إلى أن "ذلك يعزز هذا التيار الفكري الموجود، وهي فكرة تعتبر موضع استغلال سياسي من قبل الانقلابيين الذين يلعبون بها، وفقاً لرؤية باريس".
ومستدركة قالت: "إلا أن الأصوات الرسمية -أو غير الفرنسية- ما زالت تكرر هذه العبارة: لقد انتهى المفهوم الموروث من علاقات الهيمنة في مرحلة ما بعد الاستعمار بين فرنسا ومستعمراتها السابقة".
وبحسب جيمبايارا، فإن "عصر فرنسا-أفريقيا انتهى وأشعر أحيانًا أن العقليات لا تتطور بنفس الوتيرة التي نتطور بها نحن، عندما أقرأ وأسمع وأرى أننا لا نزال ننسب إلى فرنسا نوايا لا تمتلكها، وأنها لا تمتلك أي نوايا".
وفي مارس/آذار الماضي، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، متوجها للجالية الفرنسية في الغابون: "لم يعد هناك فرنك أفريك" في إشارة إلى عملة الفرنك الأفريقي.
طرح أكده أيضا كين أوبالو، الأستاذ المساعد في كلية الخدمة الخارجية بجامعة "جورج تاون"، بالقول في مقال تحليلي لصحيفة "غراند كونتينت"، إن "حصة فرنسا من الواردات من مستعمراتها السابقة بلغت 2,52% فقط. وبالتالي فإن الهيمنة الفرنسية على الاقتصادات الناطقة بالفرنسية لم تعد ببساطة كما كانت من قبل".
الإرهاب
جيمبايارا، الباحثة السياسية في مالي، ورئيسة تحرير صحيفة "صوت مالي" تعود لتقول إنه "إذا كان الفرنك الأفريقي لا يزال موجودًا كآلية مهمة لنقل نفوذ باريس، فقد ضعفت الآلية التجارية بشكل كبير خلال العقدين الماضيين".
وتابعت: "مع هذا الانسحاب الكبير للجنود الفرنسيين، تضعف البلاد والمنطقة بأكملها. ومع ذلك من المحتمل أن ينظر السكان المحليون إلى زيادة العنف الإرهابي -سواء كان ذلك صحيحًا أم خطأ- نتيجة للانسحاب الفرنسي".
وأشارت إلى أنه "سيكون من المؤسف أن يُنظر إلى دولة مثل فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على أنها تتعامل مع قضية الإرهاب باستخفاف من خلال فك الارتباط مع هذا البلد عندما أكد إيمانويل ماكرون تصميمه على هذه المعركة قبل أيام قليلة".
وفي مواجهة هذا الوضع، يتساءل السفير الفرنسي السابق جيرار أرو: "هل يعود الأمر إلينا لرعاية سياستهم الداخلية؟".
وأضاف السفير، في تصريح سابق لوكالة "فرانس برس": "إنها دول مستقلة، إنها دول يجب أن يكون لها مصيرها الخاص وتحدده بحرية. ولا يعود لفرنسا أن تكون عرابة الديمقراطيات في بقية العالم".