فرنسا تختنق.. هل يجبرها "فائض الضعف" على تدخل خشن بالنيجر؟
ما الذي يدفع الرئيس الفرنسي للغياب عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو المعروف بحماسة دبلوماسية تضعه بمقدمة جميع الاجتماعات الرفيعة؟
هل صحيح أن جدوله المزدحم هو ما يمنعه من حضور الدورة الـ78 للحدث الهام أم أن للأمر علاقة بملف أكثر أهمية يتعلق بالتحضير لتدخل عسكري في النيجر، وإن بالوكالة؟
استفهامات ملغومة ترتفع منسوب غموضها وتعقيدها مع تواتر المستجدات، فهل كانت اتهامات عسكر النيجر لباريس بحشد قوّاتها ومعدّاتها الحربية في عدة بلدان مجاورة في غرب أفريقيا استعدادا "لتدخل عسكري"، عبثيا؟
كما أن اتهامات إيمانويل ماكرون للعسكريين في النيجر بـ"احتجاز" السفير الفرنسي، يستبطن أكثر من بعد وقد يؤكد أكثر من شكوك.
خبراء يرون من جانبهم أنه من الصعب أن تجازف فرنسا بالتدخل عسكريا في النيجر، لعدة أسباب أبرزها أنها خرجت لتوها من عمليات كبدتها خسائر فادحة، وفي ضوء أوضاعها الداخلية المضطربة، فإنه من المستبعد أن تغامر بإثارة استياء شعبها.
لكن في الآن نفسه، تجد باريس نفسها مجبرة على ترميم صورتها المنكسرة ما سيدفعها للتحرك تحت ضغط فائض الضعف، من أجل حفظ ماء وجهها من جهة، ومحاولة إعادة اعتبارها ليس في النيجر فقط بل في الساحل وأفريقيا بأسرها.
لهيب تحت الرماد؟
لم تكن نبرة ماكرون عادية وهو يوجه اتهامات لعسكريي النيجر بـ"احتجاز" السفير الفرنسي، كما أن حديثه عن طعام الدبلوماسي الرفيع بدا غارقا في تفاصيل كان من الممكن الاحتفاظ بها في حال وجود أمل بمفاوضات من أي نوع.
وسبق أن أمر العسكريون في النيجر السفير الفرنسي بمغادرة البلد نهاية أغسطس/ آب الماضي، بعدما رفضت باريس الانصياع للمهلة التي طالبت برحيله، ومذاك الحين، تستمر فرنسا في معارضة هذه المغادرة، معتبرة أن الحكومة الجديدة في النيجر لا تتمتّع بالشرعية للتقدّم بمثل هذا الطلب.
وقال ماكرون خلال زيارته منطقة سومور-ان-اوكسوا في وسط شرق فرنسا: "في النيجر، في الوقت الذي أتحدث إليكم، لدينا سفير وموظفون دبلوماسيون تم احتجازهم رهائن في سفارة فرنسا".
وأضاف أن العسكريين "يمنعون (عن هؤلاء) الطعام، والسفير سيلفان إيتيه يتناول حصصًا غذائية عسكرية".
ولدى سؤاله عن احتمال عودة السفير إلى باريس، قال ماكرون "سأفعل ما سنتفق عليه مع الرئيس (محمد) بازوم لأنه هو صاحب السلطة الشرعية وأنا أتحدّث معه كل يوم".
تصريحات ماكرون تأتي بعد أيام قليلة فقط من اتهامات وجهها عسكر النيجر لباريس بحشد قوّاتها ومعدّاتها الحربية في عدة بلدان مجاورة في غرب أفريقيا استعدادا "لتدخّل عسكري".
وحينها، قال الناطق باسم المجلس العسكري الحاكم في النيجر الكولونيل ميجور أمادو عبد الرحمن، إنّ "فرنسا تُواصل نشر قوّاتها في عدد من بلدان إكواس في إطار استعدادات لشن عدوان على النيجر تُخطّط له بالتعاون مع هذه الجماعة".
وبحسب بيان عبد الرحمن، لاحظ المجلس أنّه تمّ منذ الأوّل من سبتمبر/ أيلول الجاري، "نشر طائرتَي نقل عسكريّتَين من طراز إيه 400 إم، وواحدة من طراز دورنييه 328، في إطار تعزيزات في كوت ديفوار"، وأنّ "مروحيّتَين من طراز سوبر بوما مُتعدّدتَي المهمّات" و"نحو 40 مركبة مدرّعة" قد نُشِرت "في كاندي ومالانفيل في بنين".
وتابع البيان أنه "في 7 سبتمبر/أيلول الجاري رست سفينة عسكريّة فرنسية في كوتونو (بنين) وعلى متنها أفراد وموارد عسكرية".
كذلك، تحدث العسكريون عن "زهاء مئة عملية تناوب لطائرات شحن عسكرية أتاحت إنزال كميات كبيرة من المعدات الحربيّة في السنغال وكوت ديفوار وبنين، وغيرها".
واعتبروا أنّ "هذه المناورات" هدفها "إنجاح التدخل العسكري ضدّ بلادنا".
ضربة مفاجئة؟
يسود خلاف بين النيجر الدولة الواقعة في منطقة الساحل وجماعة إكواس التي هددت بالتدخل عسكريا إذا فشلت الضغوط الدبلوماسية في إعادة بازوم إلى السلطة، وتدعم فرنسا بقوة قرارات التكتل.
ويعتقد مراقبون أن فرنسا التي فقدت هيبتها ونفوذها في الساحل، تعمل على رد الصفعة لجيش النيجر ليكون عبرة لبقية جيوش المنطقة المنقلبة على أنظمتها، وفق رؤية باريس.
ولذلك، فإن الفترة التي يكون فيها العالم منشغلا بمداولات وخطابات رؤساء الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، المقررة الأسبوع المقبل، قد تكون توقيتا مثاليا للضرب بقوة في النيجر عبر إكواس.
وفي حال لم تكن دول المجموعة جاهزة للتدخل خلال هذه الفترة، فإنها قد ترجئ الخطوة لما بعد اجتماعات نيويورك، والتي من المؤكد أن تشجب الانقلابات في أفريقيا ما سيمنح فرنسا ودول إكواس حافزا معنويا للتحرك.
تدخل محتمل قد تشارك فيه فرنسا بجنودها الـ1500 المتمركزين في النيجر عقب طردهم من مالي التي انتشروا فيها في إطار عملية عسكرية لمكافحة الإرهاب.
لكن الفرضية تظل مستبعدة في ظل الظروف الحالية التي تجعل من الصعب على باريس المجازفة بتوريط جنودها المرابطين قرب مطار نيامي الدولي، أي تحت سيف جيش النيجر.
شد وجذب
وباتت العلاقات بين فرنسا والنيجر محور شد وجذب إذ سحبت نيامي الحصانة الدبلوماسية من سفير باريس سيلفان إيتيه وأمرته بمغادرة البلاد.
لكن فرنسا رفضت ذلك مرّات عدة مشددة على أن النظام العسكري لا يملك الحق القانوني الذي يسمح له بإصدار أوامر من هذا النوع.
ومؤخرا، قال رئيس وزراء النيجر الذي عينه النظام العسكري علي محمد الأمين زين بأن محادثات تجري بشأن انسحاب "سريع جدا" للقوات الفرنسية.
انسحاب قد يكتب بداية جديدة لفرنسا بالبلد الأفريقي، وهي التي تعجز حتى الآن عن استيعاب حقيقة فقدانها لجميع حلفائها في الساحل، المنطقة التي كانت تتخذها نقطة انتشار وقاعدة خلفية لمواجهة الإرهابيين، ولكن أيضا للحصول على نصيبها من المعادن والثروات.
فهل تستعد فرنسا فعلا للضرب بقوة في الساحل الأفريقي وتحديدا في النيجر عبر إكواس؟ أم أن كل ما يحدث من شد وجذب ليس سوى محاولات نظرية لحفظ ماء الوجه؟
aXA6IDMuMTMzLjE1Ny4yMzEg جزيرة ام اند امز