اعتراف فرنسي محتمل بدولة فلسطينية.. نقطة تحول أم خطوة رمزية؟

ما السر وراء إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون احتمال اعتراف بلاده بالدولة الفلسطينية؟
محللون سياسيون فرنسيون تحدثت إليهم "العين الإخبارية" اعتبروا أن الأمر ليس مجرد تكرار دبلوماسي، بل تطورٌ قد يحمل دلالات استراتيجية، في وقتٍ يتّسم فيه الشرق الأوسط بتعقيدات متزايدة وتراجع فرص التسوية السياسية.
وفي منشور عبر منصة "إكس" للتواصل الاجتماعي، أوضح ماكرون موقف فرنسا الرسمي من تطورات الأوضاع في غزة، مؤكدًا أن الطريق الوحيد نحو إنهاء النزاع هو الحل السياسي القائم على أساس الدولتين.
وشدّد على أن "فرنسا تقول نعم للسلام، نعم لأمن إسرائيل، ونعم لدولة فلسطينية من دون حماس".
وأضاف ماكرون أن تحقيق هذا الهدف يتطلب الإفراج عن جميع الرهائن، ووقفًا دائمًا لإطلاق النار، واستئنافًا فوريًا للمساعدات الإنسانية، والبدء بمسار سياسي حقيقي.
وأوضح أن فرنسا تدافع عن "الحق المشروع للفلسطينيين في إقامة دولة والعيش بسلام"، كما تدافع عن "حق الإسرائيليين في العيش بأمن وسلام مع اعتراف متبادل بين الجيران".
كما دعا الرئيس الفرنسي إلى جعل مؤتمر السلام المقبل حول "حل الدولتين"، المقرر عقده في يونيو/حزيران المقبل، نقطة تحول حقيقية.
وفيما تتضارب الآراء حول جدوى الخطوة، تساءل مراقبون: هل يُعدّ إعلان فرنسا هذا مجرّد تصريح في نزاعٍ امتدّ لأكثر من ثمانية عقود، أم أنّه لحظة مفصلية تُعيد ترتيب مواقف الغرب من القضية الفلسطينية؟
دلالات استراتيجية
ألكسندر ديل فال، المفكر الفرنسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، قال لـ"العين الإخبارية" إن الاعتراف الفرنسي المحتمل ليس خطوة رمزية فحسب، بل يحمل أبعادًا استراتيجية قد تُعيد تشكيل المشهد الدولي.
وأضاف أن "فرنسا ستكون أول دولة كبرى من الكتلة الغربية تعترف رسميًا بفلسطين، ما يخلق ديناميكية جديدة داخل الغرب، ويعيد التوازن بعد تراجع الدور الأخلاقي للولايات المتحدة".
وأشار ديل فال إلى أن الاعتراف يُعزز مكانة فرنسا كوسيط نزيه في الشرق الأوسط، ويضعف مبررات إسرائيل، خاصة في ظل تنامي سياسات التهجير القسري من قبل الحكومة الإسرائيلية اليمينية.
رمزية قانونية.. ولكن بشروط
من جهته، قال جيل كيبيل، أستاذ العلوم السياسية المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، إن "الاعتراف الفرنسي سيكون ذا معنى فقط إذا اندرج ضمن رؤية دولية متكاملة تدعم حل الدولتين".
وأضاف كيبيل لـ"العين الإخبارية"، إن "الاعتراف يجب أن يتم ضمن إطار تفاوضي دولي واسع يُعيد القضية الفلسطينية إلى واجهة المشهد"
وأشار إلى أن المؤتمر المرتقب في نيويورك قد يكون لحظة حاسمة، إذا ما تضمن صفقة مزدوجة: اعتراف فرنسي بفلسطين، مقابل انضمام دول عربية جديدة لاتفاقات السلام الإبراهيمية شرط التوصل إلى تسوية عادلة.
وأكد كيبيل أن "الخطوة لن تغيّر شيئًا على الأرض فورًا، لكنها ستمنح الفلسطينيين دفعة دبلوماسية، وتُضعف التفرد الإسرائيلي بالرواية السياسية الغربية، كما قد تساهم في إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية وتوازن القوى مع فصائل المقاومة."
مشهد محفوف بالتحديات
رغم التفاؤل الحذر، يُحذّر بعض الخبراء من التحديات التي قد تُفرغ الاعتراف من مضمونه، خاصةً في ظل استمرار الاستيطان، وغياب توافق فلسطيني داخلي، وموقف إسرائيلي رافض لأي اعتراف بدولة فلسطينية.
ويقول ديل فال إن الربط الجغرافي بين الضفة وغزة، والاعتراف بحدود 1967، ومسألة اللاجئين، تبقى نقاطًا لا يمكن القفز عنها، مشيرًا إلى أن الاعتراف الفرنسي لن يكون ذا أثر فعلي إلا إذا ترافق مع سياسة ضغط دولية متماسكة.
لحظة مفصلية.. أم مجرّد اختبار رمزي؟
في نهاية المطاف، يرى محللون أن الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية، إذا ما تم، لن يفرض حلاً سياسيًا جاهزًا، لكنه قد يُعيد طرح السؤال الأهم: هل تستطيع الشرعية الدولية أن تتغلب على موازين القوى؟
ويعتقد البعض أن فرنسا، عبر هذه الخطوة، تُمهّد لتحوّل محتمل في المواقف الغربية، خاصة إذا لحقتها دول أخرى مثل كندا أو اليابان، إلا أن نجاحها سيعتمد على تجاوب إقليمي حقيقي، وقدرة الفلسطينيين على إعادة ترتيب بيتهم الداخلي، واستعداد إسرائيل للقبول بتسوية عادلة، وهو ما يبدو بعيدًا حتى الآن.
aXA6IDMuMTQzLjIwMy4yMSA= جزيرة ام اند امز