فرنسا تستعد لعصر دفاعي جديد.. ماكرون يواجه التحولات الاستراتيجية

عشية يوم الباستيل، وفي ظل اضطراب النظام العالمي وتآكل الضمانات الأمنية التقليدية، يتحضّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للكشف، مساء الأحد، عن رؤية دفاعية جديدة تعيد صياغة أولويات الجمهورية في عالم يزداد هشاشة وخطورة.
وبينما تواجه باريس ضغوطاً مزدوجة من التحديات الأمنية والقيود المالية، تسعى إلى تحقيق معادلة دقيقة بين السيادة الاستراتيجية والاستدامة الاقتصادية، في سياق أوروبي لا يخلو من التنافس على مَن يقود جهود الردع الذاتي.
مرحلة جديدة
وتستعد فرنسا لترسيم معالم مرحلة جديدة في عقيدتها الدفاعية، حيث تقف الجمهورية على مفترق طرق بين تحديات التسلح الذكي، والاستقلال الاستراتيجي، والضغوط المالية.
وما سيعلنه ماكرون مساء الأحد سيكون، على الأرجح، أكثر من خطاب احتفالي؛ بل إعلان نوايا لدولة تواجه زمناً أكثر قسوة وتعقيدًا مما عهدته من قبل.
ووفق الإليزيه، سيعلن ماكرون عن توجهات «رئيسية» في خطابه التقليدي للقوات المسلحة عشية العيد الوطني الفرنسي، والذي يُلقيه في حدائق وزارة الجيوش.
ويأتي هذا الخطاب في سياق تحولات أمنية متسارعة، تُرخي بظلالها على المشهد الدفاعي الفرنسي، من الحرب في أوكرانيا، إلى التراجع الأمريكي في أوروبا، وصولًا إلى سباق التسلح التكنولوجي.
صورة قاتمة من القيادة العسكرية
وقبل ساعات من خطاب ماكرون، رسم رئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية، الجنرال تييري بورخار، مشهداً استراتيجياً مقلقاً في مؤتمر صحفي نادر، محذرًا من تهديدات «دائمة» تمثلها روسيا ضد أوروبا، فضلاً عن مخاطر التضليل، والهجمات الهجينة، والإرهاب، في ظل «تغير الإطار المرجعي الاستراتيجي»، وفق تعبيره. وأضاف: «التجاهل لن يُجدي نفعًا».
من جهته، اعتبر وزير الجيوش سيباستيان لوكورنو أن المرحلة تتطلب "جهداً جديداً لا يقتصر على الموارد المالية، بل يمتد إلى المجالات الفكرية والأخلاقية والصناعية"، في إطار نموذج دفاعي مستقل، ينسجم مع الطموحات السيادية لفرنسا.
موازنة الدفاع
تزامنًا مع هذا التحوّل، أعلنت الرئاسة الفرنسية أن قانون البرمجة العسكرية الراهن ينصّ على تخصيص 413 مليار يورو للقوات المسلحة خلال الفترة 2024-2030، مع زيادات سنوية تُفضي إلى بلوغ 67,4 مليار يورو بحلول 2030، صعودًا من 32,2 مليار يورو في 2017.
لكن رغم هذه الأرقام، تُطرح تساؤلات متزايدة بشأن كفاية الموارد الدفاعية الفرنسية، خاصة في ظل سعي الحكومة إلى تقليص عجز الموازنة. وكان رئيس الوزراء فرنسوا بايرو قد أقر بأن عبء الدين وحده بلغ هذا العام 62 مليار يورو، مما يضع الدفاع تحت مجهر الحسابات المالية، رغم وصفه بـ«المقدس».
سباق دفاعي أوروبي
وفيما تتجه فرنسا إلى مراجعة استراتيجيتها، بدأت دول أوروبية أخرى بالفعل برفع إنفاقها العسكري بوتيرة متسارعة.
إذ أعلنت بريطانيا أنها سترفع موازنتها الدفاعية إلى 2,5% من الناتج المحلي بحلول 2027، و3% بعد 2029، في حين خصصت بولندا 4,7% من ناتجها للقطاع الدفاعي، وتخطط ألمانيا للوصول إلى 162 مليار يورو بحلول 2029.
وكان حلف شمال الأطلسي قد حثّ الدول الأعضاء في قمته الأخيرة على تخصيص 5% من ناتجها المحلي للأمن، بينها 3,5% للجانب العسكري فقط، بحلول 2035.
معركة المستقبل
يُتوقّع أن يحدد ماكرون في خطابه أولويات فرنسا الدفاعية الجديدة، وسط تركيز متزايد على القطاعات التي تشهد تطورات تكنولوجية متسارعة.
وكان لوكورنو قد أشار إلى أن الجيش الفرنسي يحتاج إلى موارد «تقترب من المئة مليار يورو» لمواكبة التحولات، وعلى رأسها الدفاع الأرضي-الجوي، الذكاء الاصطناعي، الحرب الإلكترونية، وتطوير الطائرات الشبح.
أما الفضاء، فيبقى مجالًا يحذر الخبراء من خطر تخلّف أوروبا فيه عن الركب العالمي.
وفي جانب آخر من الاستراتيجية المنتظرة، يشير الإليزيه إلى نية ماكرون التطرق إلى قضية «تعبئة الشباب»، في إطار ما وُصف بـ«فرصة الخدمة»، وهو ما يعكس توجهًا لتعزيز الرابط بين الدفاع والمجتمع، بوصف «التماسك الوطني» عنصراً جوهريًا في مناعة البلاد.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTQ5IA== جزيرة ام اند امز