استعادة الإرهابيين من العراق.. فرنسا بين استحقاق السيادة ومخاطر الأمن

بين مقتضيات الالتزام القانوني ومخاوف الانزلاق الأمني، تخوض فرنسا اختبارًا حساسًا مع إعلان اعتزامها استعادة عدد من الإرهابيين الفرنسيين المدانين في العراق.
خطوة عدها خبراء سياسيون فرنسيون، في أحاديث خاصة لـ«العين الإخبارية»، تحمل أبعادًا قانونية وإنسانية، لكنها في الوقت نفسه تفتح الباب أمام تحديات أمنية جسيمة تتعلق بمدى نجاح الدولة في دمج هؤلاء المرحلين داخل المجتمع، وضمان عدم تحولهم إلى تهديد داخلي، محذرين من أن نجاح هذه العملية لن يتحقق إلا بآليات رقابة صارمة وإرادة سياسية حازمة قادرة على احتواء المخاطر.
إعلان رسمي وتحفظ حكومي
وخلال لقاء صحفي مع قراء صحيفة «لافوا دو نور»، أعلن وزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانان، أن باريس تعتزم إعادة بعض الإرهابيين الفرنسيين المحتجزين في العراق، مشيرًا إلى أن هؤلاء السجناء طالبوا منذ فترة طويلة بقضاء عقوبتهم في فرنسا.
ورداً على سؤال أحد القراء حول إمكانية استعادة 3 فرنسيين من شمال البلاد صدرت بحقهم أحكام بالإعدام خُففت لاحقًا إلى السجن مدى الحياة، قال دارمانان: «نعم، كما هو الحال مع العديد من السجناء الفرنسيين حول العالم، في إيران أو في أماكن أخرى».
وأضاف وزير العدل: «على المواطنين إنهاء محكوميتهم في فرنسا. لا يمكننا أن نطالب الجزائر أو المغرب أو الولايات المتحدة بقبول مواطنيهم الصادرة بحقهم قرارات بالترحيل، ثم نرفض استعادة الفرنسيين المحتجزين في الخارج».
غير أنه امتنع عن تقديم تفاصيل إضافية حول كيفية تنفيذ عمليات الإعادة هذه، بحسب ما أوردته صحيفة «لوموند» الفرنسية.
في المقابل، لم يصدر حتى الآن تعليق رسمي من وزارة الخارجية الفرنسية بشأن تصريحات دارمانان، وسط ترقب داخلي لكيفية تعامل الحكومة مع هذا الملف الحساس.
تحذيرات من التحديات الأمنية
وفي حديث خاص لـ«العين الإخبارية»، قال ألكسندر دولاكروا، الباحث الفرنسي المتخصص في قضايا الأمن الدولي في مركز «مونتين» للأبحاث في باريس، إن «قرار إعادة الإرهابيين الفرنسيين من العراق يمثل خطوة شجاعة لكنها محفوفة بالمخاطر السياسية والأمنية».
وأوضح دولاكروا أن «الحكومة تجد نفسها مضطرة لاحترام مبدأ السيادة القانونية تجاه مواطنيها، إلا أن ذلك يضعها في مواجهة تحديات ضخمة تتعلق بإمكانية مراقبة هؤلاء المرحلين وضمان عدم تشكيلهم خطراً جديداً على الأمن الداخلي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، حيث قد تستغل المعارضة السياسية هذا الملف لمهاجمة الحكومة».
من جانبه، قال توماس بيرتييه، الباحث المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة بمعهد «العلاقات الدولية والاستراتيجية» في باريس، في حديث خاص لـ«العين الإخبارية»، إن «هناك اعتبارات قانونية وإنسانية تدفع فرنسا إلى استعادة مواطنيها المحكومين، خصوصًا في ظل تقارير دولية عن تعرضهم لانتهاكات حقوقية جسيمة أثناء احتجازهم في العراق».
وأضاف بيرتييه: «رغم ذلك، لا يمكن تجاهل أن عودتهم ستفرض عبئًا إضافيًا على الأجهزة القضائية والأمنية الفرنسية. وسيتعين وضع خطط صارمة لإعادة التأهيل والمراقبة القضائية الممتدة لسنوات، لمنع أي احتمالات لانخراطهم مجددًا في أنشطة متطرفة».
أصوات قانونية تطالب بإسراع الإعادة
على الصعيد القانوني، رحبت المحامية ماري دوزيه، التي تدافع عن جميلة بوتوتاو، المحكومة بالسجن 20 عامًا في العراق منذ أبريل/نيسان 2018، بتصريحات وزير العدل الفرنسي، لكنها شددت على ضرورة أن تتحول هذه التصريحات إلى أفعال ملموسة وسريعة.
وأكدت دوزيه أن موكلتها «تعاني من مرض خطير وتحتاج إلى نقلها بشكل طارئ إلى فرنسا»، مشيرة إلى أنها قدمت العديد من الطلبات السابقة دون جدوى.
في السياق نفسه، قال المحامي ريشار سيديو، الذي يتولى الدفاع عن ثلاثة فرنسيين مدانين بالإرهاب، من بينهم فياني أوراجي من شمال فرنسا، إن «عدة أسباب تبرر استعادة هؤلاء إلى فرنسا، لا سيما أن وجودهم داخل البلاد سيسهل عملية إعادة إدماجهم عبر تمكينهم من التواصل مع أسرهم».
وأضاف سيديو، في تصريحات نقلتها صحيفة «لوموند»، أن «وجودهم تحت القضاء الفرنسي سيتيح للسلطات فتح تحقيقات إضافية بحقهم»، مشيرًا إلى أن قاضية تحقيق في باريس تباشر حاليًا تحقيقات بشأن مزاعم تعرض ستة فرنسيين للتعذيب خلال احتجازهم في العراق.
كما ندد سيديو بـ«ظروف الاحتجاز غير الإنسانية» التي يعاني منها موكلوه، معتبرًا أن «الإبقاء عليهم في سجون العراق يمثل خرقًا لالتزامات فرنسا القانونية والإنسانية تجاه مواطنيها».
تحديات ما بعد الإعادة
ومع تصاعد الجدل السياسي والقانوني، تبرز أسئلة جوهرية حول كيفية تعامل السلطات الفرنسية مع هؤلاء المرحلين فور عودتهم، خاصة من حيث متابعة تحركاتهم وإعادة تأهيلهم اجتماعيًا وقضائيًا.
ويرى خبراء أن نجاح هذه العملية سيشكل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة على الموازنة بين الالتزامات الحقوقية تجاه مواطنيها من جهة، وبين مسؤولية الحفاظ على الأمن الداخلي من جهة أخرى، وسط أجواء سياسية مشحونة واقتراب استحقاق انتخابي مصيري.
aXA6IDMuMTQyLjEzMy4xODIg
جزيرة ام اند امز