قانون جديد لمكافحة الإرهاب يثير الجدل في فرنسا
لم يعد قانون مكافحة الإرهاب لعام 1980 وتعديلاته عام 2015 كافيا لعودة الاستقرار لفرنسا، لذا تقدم الحكومة مشروعا لقانون بديل.
قدمت حكومة إدوارد فيليب إلى مجلس الوزراء الفرنسي، الخميس، نص مشروع القانون الجديد لمكافحة الإرهاب، والذي أثار جدلا واسعا لعدم فصله بشأن حالة الطوارئ المعلنة في فرنسا.
وتمثل إجراءات تعزيز الأمن تعديا على الحريات العامة بالنسبة لقطاع عريض من الرأي العام في فرنسا، لذا أثار مشروع القانون جدلا في الأوساط السياسية والاجتماعية حتى قبل التصديق عليه، حيث يكمن الخلاف في محاولة وزارة الداخلية بقيادة جيرارد كولومب دمج حالة الطوارئ في القانون لتكون ملازمة له، بدلا من تحديد مدتها حسب الوضع الأمني للبلاد.
ولم يتم الكشف عن جميع بنود النص بعد، لكن تصريحات وزير الداخلية تشير إلى أن نص القانون يحتوي على عدة مواد تخص حالة الطوارئ، ويمكن الجهات الأمنية من استخدام سلطاتها في الاشتباه والبحث والتحري، ومنح ضبطيات قضائية لمسؤولين في العاصمة باريس، وسلطة تحديد الإقامة للأشخاص، وهو إجراء أقل في الدرجة من الاعتقال.
كما يقدم مشروع القانون اقتراحا لإدخال إجراءات جديدة تخص تأمين وحماية المهرجانات والأحداث الرياضية والفنية من خلال السماح لأفراد الأمن أن يفحصوا حقائب وأمتعة المواطنين، علاوة على تسهيل إجراء غلق المساجد وإعطاء رئيس البلدية هذه السلطة في حالة اشتباهه في تورط رواد المسجد والعاملين عليه في التحريض ونشر خطاب الكراهية والفكر التكفيري.
وسارعت حكومة فالس بعد أحداث يناير/كانون الثاني 2015 في تعزيز تشريعاتها المتعلقة بالإرهاب، لكنها برغم ذلك لم تستطع مواجهة الإرهاب الذي ضربها خلال عامين أكثر من ضربة موجعة كان لها بالغ الأثر على الاقتصاد والأمن، اضطر البرلمان بموجبها إلى مد حالة الطوارئ، لذا يتطلع المشروع الجديد إلى إجراءات أكثر حدة وقوة لضمان الأمن دون الإخلال بالحريات العامة للفرنسيين.
وترى أستاذة العلوم السياسية بجامعة باريس، الباحثة والمؤرخة فانيسا كوناديوني، على مشروع القانون بأن تفسيراته لا ترضي الجميع بالقدر الكافي، "فنحن لا نحتاج لقانون بديل عن قانون صوتنا عليه عام 1980 ويعد الأقوى والأفضل على مستوى أوروبا ".
فيما يختلف معها المحامى والأستاذ بجامعة ستراتسبورغ، جيسلان بينهيسا، حيث يرى أن فرنسا بحاجة لقانون جديد يحتوى على إجراءات صارمة تتناسب وحالة الاضطراب الأمني التي تعانيها البلاد.
ويضيف بينهيسا: "يضع القانون البلاد تحت حالة طوارئ دائمة، وهذا يمثل بعض التخوفات لدعاة الحريات المدنية، لكن ماذا نفعل أمام تهديدات حقيقية زعزعت الاستقرار وضربت السياحة، أما الحريات فالقانون العام قادر على حمايتها".
ولكن الجمعيات المدنية ومنظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية تبدي تخوفا كبيرا تجاه ما يسمى بإجراء "محيط الحماية"، الذي يخول للداخلية تحديد إقامة الأفراد دون إذن نيابة حتى ولو لم يثبت وجود تهديد وشيك.
وكمحاولة منه لإنهاء الجدل المحتدم حول القانون، يقول بينهيسا: "نحن أمام خيارين أحلاهما مر، لكننا لا نستطيع ترك اللاوعي الجمعي يعيدنا إلى تلك اللحظات الحالكة ويقودنا إلى سيناريوهات أكثر سوءا، وعلينا تجاوز الفكرة المترسخة لدى الفرنسيين منذ 1960 بأن كل سلطة مطلقة مَفسدة مطلقة".
ويقول النائب السابق الاشتراكي سيباستيان بيتراسانتا المسؤول عن الملف في البرلمان: "يسعى القانون لتمديد بعض تدابير حالة الطوارئ، حيث لم تسفر عمليات تفتيش أكثر من 40 ألف مشتبه به إلا عن اعتقال 400 فقط، ما يؤكد على فقدان هذه الفعالية". وأضاف: "كانت عمليات التفتيش فعالة جدا إبان أحداث يناير 2015 لكنها أخذت في التضاؤل بعد ذلك".
ونوه بيتراسانتا، الذي ظل متخصصا في السنوات الأخيرة في قضايا الإرهاب، عن اتخاذ السلطات تدابير غير مناسبة مثل تحديد إقامة أحد منفذي هجوم سانت إتيان مع والديه مكتفين بوضع سوار إلكتروني بمعصمه".
ولا أحد، باستثناء المعارضة وبعض المنظمات غير الحكومية مثل منظمة العفو الدولية أو هيومن رايتس ووتش، يعارض القانون غير واضح الملامح، لكن الفرنسيين يبدون استعدادا كبيرا لقبوله بغرض تعزيز الأمن، فوفقا لما قاله مركز إيبسوس لاستطلاعات الرأي قبيل الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، فإن 56 % من الفرنسيين يضعون ثقتهم في الإجراءات التي قد تتخذها الحكومة في حالة تمرير القانون.