الحرب التجارية بين أمريكا وأوروبا.. لماذا يصعب التوصل إلى اتفاق؟

قال خبراء اقتصاد فرنسيون إن مفاوضات التهدئة التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي باتت على حافة الانهيار، وسط تصعيد متبادل يُهدد بإشعال حرب تجارية شاملة بين حلفاء الناتو.
وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول 9 يوليو/تموز، سترتفع الرسوم الجمركية المتبادلة إلى 50%، ما ينعكس سلبًا على النمو والاستثمار في القارتين.
وقالت المحللة الاقتصادية والاستراتيجية لدى مركز CPRAM، جولييت كوهين لـ"العين الإخبارية" إن المشهد المالي العالمي "يقف على حافة هاوية"؛ لأن التصعيد الجمركي "لن يقتصر أثره على التبادل الثنائي، بل سيمتد إلى الأسواق العالمية من حيث الثقة والطلب وتدفقات الاستثمار".
وأضافت كوهين أن مفاوضات اللحظة الأخيرة بين واشنطن وبروكسل "تتقدم ببطء شديد بسبب التوترات السياسية الداخلية لدى الجانبين، والمناخ الجيوسياسي الهش".
ويوافقها الرأي الخبير الاقتصادي الفرنسي في معهد "Cercle des économistes"، باتريك أرتوس، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تستخدم سلاح الرسوم "ليس فقط لأهداف اقتصادية، بل سياسية وانتخابية، فيما يجد الأوروبيون صعوبة في التحدث بصوت واحد نتيجة خلافاتهم الداخلية"، ما يجعل من التوصل إلى اتفاق "أمرًا بالغ التعقيد وغير مضمون".
بدوره، قال الباحث الاقتصادي الفرنسي في معهد "OFCE" للدراسات الاقتصادية، الدكتور لوك دومونتييه، لـ"العين الإخبارية" إن "العقدة الجوهرية في الحرب التجارية الحالية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا تكمن فقط في الأرقام أو الرسوم الجمركية، بل في الرؤية الاقتصادية ذاتها".
وأوضح أنه بعد قانون خفض التضخم الأمريكي، أصبح من الواضح أن واشنطن تتجه نحو سياسات صناعية حمائية شرسة مدعومة بسخاء من الدولة، في سعي منها لإعادة تمركز التصنيع على أراضيها، خاصة في مجالات الطاقة والرقمنة والسيارات الكهربائية.
واعتبر أن هذا التوجه، رغم أنه مفهوم من زاوية الأمن الاقتصادي الأمريكي، يصطدم بالمبادئ الأوروبية القائمة على حرية السوق والتنافسية المتكافئة، ويجعل الحوار صعبًا، موضحًا أن الأوروبيين يعتبرون أن هذه الامتيازات الأمريكية للصناعة الوطنية تُخلّ بالتوازن وتُقوّض فرص شركاتهم في المنافسة، خاصة في القطاعات الخضراء.
ورأى أن المشكلة الأكبر أن الولايات المتحدة لم تعد مستعدة لتقديم تنازلات متعددة الأطراف كما فعلت في الماضي. نحن أمام مرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية العابرة للأطلسي، تتسم بعدم الثقة، وتغير موازين القوة، وتراجع دور المؤسسات الدولية كمنصة للحل، ما يجعل أي اتفاق شامل مهمة شاقة وطويلة الأمد.
التوترات تتصاعد.. وماكرون يحذر
خلال قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة في لاهاي، لم يتردد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في التعبير عن استيائه من الموقف الأمريكي.
ووصف احتمال نشوب حرب تجارية بين حلفاء الناتو بـ"العبثي"، مؤكدًا أن العلاقات الاقتصادية بين الحلفاء يجب أن تسير على درب السلام والتعاون، لا التصعيد والمواجهة.
وقال ماكرون: "لا يمكن أن نطالب الحلفاء بزيادة إنفاقهم الدفاعي، ثم ندخل معهم في حرب تجارية. هذا تناقض غير مقبول".
كما دعا واشنطن إلى "خفض جميع الحواجز الجمركية التي تم فرضها أو تشديدها في السنوات الأخيرة"، مشددًا على أن "السلام التجاري يجب أن يكون هو القاعدة بين الحلفاء، لا الاستثناء".
ورغم الأجواء الودية التي حاول قادة القمة الحفاظ عليها، كانت المخاوف من تصرفات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاضرة، خاصة بعد أن لوّح مؤخرًا بفرض رسوم جديدة على المنتجات الأوروبية.
اقتصاد إسبانيا "مهدد بالتدمير"
والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المعروف بموقفه المتشدد حيال التجارة، فرض بالفعل رسومًا لا تقل عن 10% على معظم الواردات الأمريكية. وبعد أن هدّد برفعها إلى 50% اعتبارًا من 1 يونيو/ حزيران، أرجأ القرار حتى 9 يوليو/ تموز لإعطاء فرصة للتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي.
لكن في لهجة تصعيدية جديدة، وجّه ترامب تهديدًا مباشرًا إلى إسبانيا، عضو الناتو، بسبب اعتراض رئيس وزرائها بيدرو سانشيز على رفع ميزانية الدفاع إلى مستوى 5% من الناتج المحلي، وهو الهدف الذي أقرّته القمة.
وقال ترامب غاضبًا: "إسبانيا هي الدولة الوحيدة التي ترفض الالتزام. هذا أمر رهيب... واقتصادها قد يُدمّر بالكامل".
أزمة متشابكة
ما يجعل الأزمة أكثر تعقيدًا هو تداخلها مع ملفات أمنية ودفاعية داخل حلف الناتو، إلى جانب التوترات الجيوسياسية العالمية والتباطؤ الاقتصادي المحتمل.
وتبدو محاولات التهدئة محدودة حتى الآن. فالرئيس الفرنسي، رغم ما يقال عن علاقة شخصية جيدة تربطه بترامب، لم يتمكن من انتزاع التزام واضح منه بشأن الاتفاق التجاري، وقال بوضوح أمام الصحافة: "طرحت الأمر أكثر من مرة، علنًا وخلف الأبواب. لكن هل هو مستعد؟ اسألوه أنتم".
وفي ختام قمة لاهاي، جدد ماكرون دعوته إلى إنقاذ الشراكة الاقتصادية عبر نهج متوازن ومسؤول، يحترم وحدة الغرب ويجنّب العالم صدمة اقتصادية جديدة.