«وهم الـ20 مليار يورو».. جدل في فرنسا حول ضريبة تستهدف 1800 ثري

في خضم الجدل السياسي المحتدم في فرنسا حول فرض ما يعرف بـ"ضريبة زوكمان" على الأثرياء، فجر الخبير الاقتصادي جان بيرلوفاد موجة واسعة من النقاش بتشكيكه في الأسس الرقمية والواقعية التي بنيت عليها هذه الفكرة.
واعتبر الخبير الفرنسي، أن الحديث عن إمكانية جمع 20 مليار يورو سنويا من نحو 1800 شخص فاحش الثراء ليس سوى "وهم فرنسي" يفتقر إلى أي دعم علمي أو إحصائي موثوق.
وتقوم المبادرة، التي اقترحها الاقتصادي الفرنسي الشهير غابرييل زوكمان، أستاذ جامعة كاليفورنيا، على فرض ضريبة سنوية بنسبة 2% على الثروة الصافية للأثرياء الذين تتجاوز ممتلكاتهم 100 مليون يورو، شاملة ضريبة الدخل.
وبحسب حسابات زوكمان، فإن هذا الإجراء يمكن أن يدر 20 مليار يورو إضافية سنويًا لخزينة الدولة الفرنسية، وفقا لما أوردته صحيفة «ليزيكو» (Les Échos) الفرنسية.
وقد لاقت الفكرة ترحيبا واسعا في أوساط اليسار الفرنسي، من جان لوك ميلونشون إلى أوليفييه فور ورافاييل غلوكسمان، فضلا عن دعم النقابات العمالية وتأييد شعبي متزايد في استطلاعات الرأي.
غير أن بيرلوفاد يرى أن هذا التصور يقوم على أسس غير دقيقة، موضحا أن "زوكمان لم يقدم أي مصدر موثوق يثبت وجود 1800 أسرة تمتلك أكثر من 100 مليون يورو في فرنسا"، مؤكدا أن "الأرقام المتداولة تبدو أقرب إلى تخمينات سياسية منها إلى بيانات اقتصادية موثقة".
وقال بيرلوفاد في تصريحاته: "لا أحد يعرف على وجه الدقة مستوى الدخل الفعلي أو الضرائب التي يدفعها هؤلاء الأثرياء المزعومون. لا أحد يعرف حجم ثرواتهم الحقيقي، ولا حتى من هم بالضبط. جميع هذه الأرقام يتم تداولها دون أساس إحصائي متين".
وأشار إلى أن أجهزة الدولة، بما فيها الإدارة العامة للضرائب والمعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (Insee)، لا تملك بيانات دقيقة ومحدثة عن أصحاب الثروات الضخمة، بسبب تعقيد الهياكل المالية واستخدام صناديق الاستثمار والملاذات الضريبية التي تُخفي الحجم الحقيقي للثروات الكبرى.
ورغم أن الفكرة تبدو جذابة سياسيا، لأنها تخاطب شعورا عاما بالعدالة الاجتماعية في ظل الضغوط المعيشية المتزايدة، فإن بيرلوفاد يحذر من الخلط بين الخطاب الأخلاقي والقدرة التطبيقية، مشددا على أن فرض ضريبة على رأس المال الثابت قد يؤدي إلى هروب الرساميل وإضعاف تنافسية الاقتصاد الفرنسي.
وأضاف: "عندما نستهدف شريحة صغيرة جدا من السكان دون تقدير حقيقي لقدرتهم على التحمل الضريبي أو لتوزيع أصولهم حول العالم، فإننا لا نحارب اللامساواة، بل نخاطر بتقويض الاستثمار المحلي".
ووفقا لصحيفة ليزيكو، فإن الرقم الذي قدّمه زوكمان، 20 مليار يورو سنويا، يفتقر إلى الشفافية المنهجية، إذ حتى في حال وجود 1800 شخص بهذه الثروة، فإن معظم أصولهم ليست سائلة بل موزعة على شركات وأملاك عقارية وأصول مالية طويلة الأجل يصعب تسييلها فورا.
ويتابع بيرلوفاد موضحا: "ضريبة بنسبة 2% على الأصول الثابتة ستجبر الكثيرين على بيع ممتلكاتهم أو نقلها إلى الخارج. وقد رأينا هذه النتيجة سابقًا في التجربة الفاشلة لضريبة الثروة القديمة (ISF)، التي دفعت أكثر من 10 آلاف ممول إلى مغادرة فرنسا خلال العقد الماضي".
وفي وقت تستعد فيه الحكومة الفرنسية لإعداد ميزانية عام 2026 وسط عجز مالي متزايد، يجد اليسار في "ضريبة الأثرياء" شعارا مثاليا لمخاطبة القاعدة الشعبية الغاضبة من سياسات التقشف.
لكن بيرلوفاد يؤكد أن هذا النوع من الإجراءات لا يخلق عدالة حقيقية، بل يُنتج شعورًا زائفًا بالمساواة، معتبرًا أن أزمة النظام الضريبي الفرنسي تكمن في ضعف الكفاءة في التحصيل وليس في غياب التشريعات.
ويختتم الخبير الفرنسي قائلا: "قد يبدو أن مهاجمة الأغنياء تحقق مكاسب انتخابية سريعة، لكنها ليست سياسة اقتصادية ناجعة. فالعدالة الضريبية لا تُبنى على الشعارات، بل على بيانات دقيقة وإدارة مالية رشيدة".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODYg
جزيرة ام اند امز