«أريان 6».. أمل أوروبا في «التحرر» من أمريكا

التوترات الجيوسياسية الحالية قد لا تجعل لرمزية إطلاق صاروخ أوروبي بالتزامن مع إطلاق آخر أمريكي تأثيرا كبيرا.
وبعد أشهر عديدة من النكسات، يقوم الصاروخ الأوروبي الجديد "أريان 6" أخيرًا بأولى مهماته، حيث انطلق من قاعدة كورو في غويانا، وهي إقليم فرنسي خارج البر الرئيسي، وتعد نقطة إطلاق الصواريخ الأوروبية في أمريكا اللاتينية.
ومساء الخميس، انطلق الصاروخ في أول رحلة تجارية له، ووضع في المدار قمرا اصطناعيا عسكريا لمراقبة الأرض، حاملا معه آمالا كبيرة لقطاع الفضاء الأوروبي الراغب في تعزيز استقلاليته.
وبعد تأجيل إطلاقه مرات عدّة كان آخرها الإثنين قبل دقائق من الموعد المحدد، انطلق الصاروخ الأوروبي من قاعدة كورو، وسط طقس ممطر، في التوقيت المعلن عنه.
ووضع في المدار الأرضي بعد ساعة ونيّف من الإطلاق قمر المراقبة الأرضية العسكري "سي اس او - 3" (CSO-3) لحساب فرنسا، بحسب شركة أريان سبايس.
وفي الوقت نفسه، من المقرر أن تطلق شركة "سبيس إكس" التابعة للملياردير إيلون ماسك، المستشار المقرب من الرئيس الأمريكي، أحدث نسخة من صاروخ "ستارشيب" الذي يعد أكبر وأقوى صاروخ في العالم.
والإطلاق سيكون من منشأة ماسك في بوكا تشيكا بولاية تكساس، في رحلة تجريبية مدتها ساعة واحدة ستكون الثامنة حتى الآن في حال تحققها.
«سيادة فضائية»
تعلق أوروبا آمالها في "السيادة الفضائية" على "أريان 6" حيث تأتي عملية الإطلاق في خضم التقارب بين موسكو وواشنطن. وبعد يوم من إيقاف دونالد ترامب للدعم الاستخباراتي، ولا سيما عبر الأقمار الصناعية، لأوكرانيا.
وما تقدم يجعل قدرة أوروبا على تقديم المعلومات الاستخباراتية من الفضاء أكثر إلحاحًا، كما يجعل الحاجة إلى إطلاق ناجح أكبر، وفقا لما ذكرته صحيفة "التليغراف" البريطانية.
وقبل ساعات من عملية الإطلاق، قال وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو: "إذا كان هناك مجال واحد يجب أن يستيقظ الأوروبيون فيه على وجه السرعة، فهو الفضاء".
وأضاف أن "جميع الدول الكبرى في العالم في طور عسكرة الفضاء بينما أوروبا متأخرة".
ويحمل "أريان" قمرا صناعيا عسكريا قادرا على تزويد فرنسا وحلفائها بقدرات تجسس أكبر عبر الصور ثلاثية الأبعاد، مما يعني أنه يمكنهم الاعتماد بشكل أقل على الاستخبارات الأمريكية.
ومن المقرر إطلاق القمر " CSO-3 " في مدار يبلغ طوله 800 كيلومتر وسيكمل شبكة من ثلاثة أقمار صناعية فرنسية للتصوير العسكري، مع إطلاق أول قمرين صناعيين في عامي 2018 و2020 على صواريخ سويوز.
وقال ميشيل صايغ، رئيس وكالة التسليح التابعة للحكومة الفرنسية، إن هذه الأقمار "تحتوي على كاميرات تدور حول الأرض تلتقط صورًا بالضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء في جميع أنحاء العالم، وهو أمر مهم للغاية للعمليات العسكرية".
وفي الاتحاد الأوروبي، تمتلك فرنسا وإيطاليا فقط أقمارًا صناعية عسكرية وفي أغسطس/آب من العام الماضي، أطلقت بريطانيا قمرًا اصطناعيًا لدعم العمليات العسكرية.
وفي تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية، قال فيليب شتاينجر، مؤلف كتاب "الثورات الفضائية" ومستشار في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث الفضائية، إن الولايات المتحدة والصين لديهما "مئات" الأقمار الصناعية العسكرية أو المدنية.
وفي إشارة إلى الأهمية الاستراتيجية لعملية الإطلاق، تم نشر طائرات مقاتلة فرنسية لدوريات في السماء وأُرسلت قوات الفيلق الأجنبي لتمشيط الغابة المحيطة بمطار كورو الفضائي.
أما بالنسبة لسبيس إكس، فهي تأمل تأكيد هيمنة أسطول ماسك من الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام في سوق عالمية مزدهرة خاصة بعدما أصبح لأغنى رجل في العالم منافس محلي هو الملياردير الأمريكي جيف بيزوس.
ووصلت شركة بيزوس "بلو أوريجين" إلى الفضاء المداري لأول مرة بصاروخه "نيو جلين" في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وفي الوقت نفسه، تطلق الصين عددًا كبيرًا من الصواريخ، والآن تعود أوروبا إلى سباق الفضاء، ويقول مسؤولو الفضاء في القارة العجوز إنه لا ينبغي لأحد أن يقلل من أهمية الحاجة إلى استقلال الفضاء في ظل المناخ السياسي الحالي.
وخلال العام الماضي، غرقت أوروبا في "أزمة فضائية"، حيث لم تتمكن من استخدام صواريخ سويوز الروسية منذ حرب أوكرانيا في 2022.
بينما تم إيقاف تشغيل صاروخ أريان 5 في 2023، كما تم إيقاف إطلاق صاروخ فيجا-سي الأصغر في أوروبا في وقت سابق لمدة عامين بسبب حادث أدى إلى فقدان قمرين صناعيين، ولم يستأنف الرحلات إلا في ديسمبر/كانون الأول 2024.
وقال وزير البحث العلمي الفرنسي فيليب بابتيست لصحيفة "لا تريبيون" الفرنسية، إن "الدور المزدوج" الجديد لماسك كمستشار مقرب من ترامب قد يكون له عواقب وخيمة في جميع أنحاء صناعة الفضاء.
وأضاف أن "مفهوم الاستقلال الاستراتيجي، الذي كان يُسخر منه ذات يوم باعتباره نزوة فرنسية، هو في قلب أوروبا غدًا".