مصير حزب "العدالة والتنمية" بعد مرحلة عبد الإله بنكيران يبدو معقداً في التنبؤ بسبب كثرة العوامل المؤثرة في تحديد مسار المشروع
هزيمة جديدة تطال حزب «العدالة والتنمية» في المغرب، كما أكدت ذلك نتائج الانتخابات الجزئية التي خاضها الحزب في الأسابيع والأشهر القليلة الماضية التي عرفتها المملكة طيلة الستة أشهر الماضية، وجاءت هذه الهزيمة هذه المرة في انتخابات دائرة «العرائش» الجزئية شمال المغرب، التي جرت يوم 25 يناير الماضي، على يد مرشح حزب الحركة الشعبية (حزب يميني)، هذا على الرغم من الحركية المتواترة التي اكتستها الحملة الانتخابية خاصة في مدينة «القصر الكبير»، المعقل التاريخي لحزب «العدالة والتنمية». وإذا كانت بعض القراءات المصاحبة لهذه الهزيمة وهزائم أخرى، ربكت بينه وبين التحول التنظيمي الذي يمر منه الحزب، مع خروج القيادي السابق عبد الإله بنكيران، وقدوم القيادي الحالي سعد الدين العثماني، المحسوب في الخارج على التنظيم الدولي لـ«الإخوان»، بشكل أكبر مقارنة مع بنكيران، فإن هذه القراءات تكشف عن جزء من أسباب هذه الهزائم الانتخابية، وهي هزائم مرت منها أغلب الأحزاب السياسية التي مرت من مرحلة التدبير الحكومي، على اعتبار أن تدبير العمل الحكومي وتدبير حقائب وزارية، غالباً ما تصاحبه أو تتلوه تراجعات في شعبية الوزير أو الوزراء المعنيين، وهذه قاعدة جار بها العمل في العديد من التجارب السياسية، ولن يكون حزب «العدالة والتنمية» الإسلامية قاعدة شاذة عنها، رغم زعمه الدفاع عن الأخلاق والدين في العمل السياسي.
مصير حزب «العدالة والتنمية» بعد مرحلة عبد الإله بنكيران يبدو معقداً في التنبؤ بسبب كثرة العوامل المؤثرة في تحديد مسار المشروع، فمن جهة، بدأ الحزب يدفع ثمن التواضع أو الفشل الكبير في تدبير العمل الحكومي، من كثرة القرارات السياسية والاقتصادية التي أصابت بشكل مباشر القدرة الشرائية للطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة، ويكفي إلقاء نظرة عابرة على شعبية وزراء الحزب في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى يتأكد الباحث من ذلك، بل إن العديد من وزراء الحزب، أصبحوا رمزاً للاغتناء والرقي الطبقي باسم الدين، وأصبح يُضرب بهم المثل في توظيف الدين للجمع بين عدة مناصب مؤسساتية وتعويضات خيالية لم تكن في الحسبان في زمن المعارضة السياسية باسم الدين.
التأثير «الإخواني» المغربي الكبير على مجريات الانتقال من قيادة بنكيران لحزب «العدالة والتنمية» نحو قيادة سعد الدين العثماني، يؤكد أن الحزب أصبح ملحقة «إخوانية» للحركة وبالتالي منفذا لسياسة قطر في المنطقة
على صعيد آخر، وعلى إثر الخلاف التنظيمي الكبير الذي برز على هامش الجدل بخصوص التمديد لولاية ثالثة للقيادي السابق عبد الإله بنكيران على رأس الأمانة العامة للحزب، اتضح أن الخلافات بين تيارات الحزب لم تكن مرتبطة برؤية فكرية ما، بقدر ما كانت مرتبطة بتوزيع المناصب والامتيازات والعوائد المالية والرمزية على هذا التيار أو ذلك، وقد ساهمت تلك الخلافات، وبشكل كبير، في تراجع شعبية الحزب لدى الرأي العام، وتم التأكد من ذلك، من خلال فشل الحزب في أغلب الانتخابات الجزئية التي مرت مباشرة بعد فوز الدكتور سعد الدين العثماني بقيادة الأمانة العامة للحزب.
أما ما كشفته تلك الخلافات، وإضافة إلى تورط الكتائب الإلكترونية الموالية لفرع «الإخوان» في المغرب، وخارج المغرب (وخاصة المقيمة في قطر)، في الدفاع عن هذا المرشح أو ذلك، والانخراط في تصفية حسابات ونشر غسيل والكشف عن حالات الفساد، فهي أن الحزب أصبح عمليا أداة بين أيدي حركة «التوحيد والإصلاح»، التي تعتبر الفرع المغربي للتنظيم الدولي للإخوان، وتأكد ذلك للباحثين بعد انخراط قياديين في حركة «التوحيد والإصلاح» في حملة شرسة ضد تمكين الأمين العام لحزب «العدالة والتنمية» السابق عبد الإله بنكيران، من ولاية ثالثة على رأس الحزب، بل بدا واضحاً أن علاقة بنكيران بإخوانه في الحركة، وخصوصا الرئيس السابق محمد الحمداوي، ليست على ما يرام، بل قام العديد من القياديين في حركة التوحيد بحملة واسعة ضد بنكيران، ومن ذلك ما كانت تتضمنه «تدوينات» العديد من أعضاء المكتب التنفيذي للحركة، وتلا ذلك ما صدر عن الرئيس الأسبق الدكتور أحمد الريسوني، والذي يعتبر الرئيس الفعلي، وهو أيضاً نائب رئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، الذي يرأسه الدكتور يوسف القرضاوي، والذي يتخذ من قطر كدولة المقر والممول الأساس لأنشطته، مما مكن للدكتور الريسوني (إمارة) أبناء «حركة التوحيد» له، ومعه ولاء مناضلي الحزب له.
هذا التأثير «الإخواني» المغربي الكبير على مجريات الانتقال من قيادة بنكيران لحزب «العدالة والتنمية» نحو قيادة سعد الدين العثماني، يؤكد أن الحزب أصبح ملحقة «إخوانية» للحركة- وبالتالي منفذا لسياسة قطر في المنطقة - وما رسالة الريسوني المغرضة الأخيرة ضد السعودية إلا قرباناً لأولي أمره، وهذا هو المسكوت عنه في النتائج السلبية التي يحصدها الحزب خلال الآونة الأخيرة مع الانتخابات الجزئية، والمسكوت عنه كذلك في الخلافات التنظيمية التي يمر منها. يُقال في تبرير الهزائم بأن الضربة إذا لم تقتل فهي تقوي، ولكن توالي الضربات وتوالي الهزائم قد يعطي المناعة بالتطبيع مع تلقي الضربات وتبرير الهزائم.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة