غزة من السماء.. مظلمة مثل الصحراء

لم تودع غزة الحياة فقط بل غابت حتى تلك الأضواء التي كانت تشع من بعض جنبات الطرق لتغرق في ظلام دامس يجعلها شبيهة بكتلة رمادية قاتمة.
ويظهر القطاع المحروم إلى حد كبير من الكهرباء منذ بدء الحرب مع حماس، أقل إضاءة في الليل بسبع مرات مما كان عليه قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق معطيات لوكالة فرانس برس استنادا إلى بيانات الأقمار الاصطناعية التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا).
وتُظهر صور الأقمار الاصطناعية بين مطلع العام وفي مايو/أيار 2025 أن القطاع غارق في الظلام بالمقارنة مع الأشهر الخمسة التي سبقت الحرب (من مايو/أيار إلى سبتمبر/أيلول 2023). ومن السماء، انخفض سطوع مدينة غزة ليلا بمقدار 16 ضعفا بين الفترتين.
وقد حوّلت الحرب المستمرة منذ 21 شهرا القطاع إلى كتلة ركام زنتها ملايين الأطنان، إذ بلغت نسبة المباني المدمّرة أو المتضرّرة 70%، وفق تحليل أجرته وكالة فرانس لبيانات للأمم المتحدة.
توقف محطة الطاقة الوحيدة
في عام 2022، بلغ متوسط إمدادات الكهرباء في القطاع الفلسطيني الخاضع للحصار الإسرائيلي منذ عام 2008، اثنتي عشرة ساعة يوميا، وفق أرقام مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وانخفض هذا الرقم إلى الصفر في عام 2024.
واندلعت الحرب إثر هجوم غير مسبوق شنته حركة حماس على جنوب إسرائيل وأسفر عن مقتل 1219 شخصا في الجانب الإسرائيلي، معظمهم من المدنيين، بحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استنادا إلى بيانات رسمية.
وردا على الهجوم، أطلقت إسرائيل حملة هجمات عسكرية أسفرت عن مقتل أكثر من 60 ألف شخص في غزة، معظمهم من المدنيين، وفق بيانات وزارة الصحة التابعة لحماس.
وفي التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مع بدء الهجمات الإسرائيلية، أعلن وزير الدفاع آنذاك يوآف غالانت فرض "حصار شامل على غزة". وأوضح "لا كهرباء، لا ماء، لا غاز".
وبسبب نقص الوقود، توقفت محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع الفلسطيني عن العمل بعد يومين من إعلان غالانت. كما قُطعت خطوط الكهرباء الآتية من إسرائيل.
وكان المصدران يغطيان معا 43% من الطلب على الكهرباء في غزة في عام 2022، في حين ظلت النسبة المتبقية غير ملباة.
مظلم مثل الصحراء
اعتمدت وكالة فرانس برس على مشروع "بلاك ماربل" (الرخام الأسود) التابع لوكالة "ناسا" الذي يسجل بشكل شبه يومي الإشعاع الأرضي، أي قوة الضوء المنبعث من سطح معين.
ويقيس المشروع الإشعاع في 2100 نقطة مختلفة في قطاع غزة، متباعدة الواحدة من الأخرى مسافة 500 متر.
وتظهر البيانات اليومية انخفاضا حادا في الإشعاع بين 10 و11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو تاريخ توقف محطة توليد الكهرباء في غزة.
والآن غدت أجزاء من القطاع الفلسطيني كانت مأهولة بالسكان قبل الحرب تلمع بشكل خافت على غرار المناطق الصحراوية المجاورة.
ولا تظهر عبر "بلاك ماربل" سوى مناطق قليلة من غزة ليلا من بينها المستشفيات المجهزة بمولدات كهرباء، منها المستشفى الأوروبي الذي يعد أكثر وضوحا بنسبة 70% من باقي محافظة خان يونس حيث يقع في جنوب القطاع، بين مطلع العام ومايو/أيار 2025.
وتجدر الإشارة إلى أنه بحلول 30 يونيو/حزيران الماضي، كانت 18 من مستشفيات القطاع الـ36 تعمل "جزئيا"، وفق الأمم المتحدة.
ومن أصل 136 منشأة صحية، كانت 63 فقط (أقل من 40%) قادرة على توفير رعاية.
لكن منطقة واحدة فقط من القطاع الفلسطيني حافظت على إضاءتها خلال الليل: ممر فيلادلفيا، وهو شريط على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر، ويسيطر عليه الجيش الإسرائيلي.
وفي أقصى جنوب شرق القطاع، يعد معبر كرم أبوسالم الإسرائيلي الذي تمر عبره شاحنات المساعدات الإنسانية، النقطة الوحيدة الأكثر إضاءة حاليا مما كانت عليه قبل بدء الحرب.