قمة العشرين.. كثير من الاقتصاد قليل من السياسة
تنطلق قمة العشرين في الأرجنتين الجمعة وسط أجواء من التشنج حول التجارة والمناخ وأسعار النفط كما كان متوقعا أساسا.
تنطلق قمة العشرين في الأرجنتين، الجمعة، وسط أجواء من التشنج حول التجارة والمناخ وأسعار النفط كما كان متوقعا أساسا، لكن مزيدا من التوتر باتت تسود الأجواء مع التصعيد بين روسيا وأوكرانيا.
ويلتقي رؤساء دول وحكومات القوى العشرين الأولى في العالم، وهي 19 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، التي تشكل 85% من إجمالي الناتج العالمي، وتضم دول المجموعة ثلثي السكان و75% من التجارة العالمية، يومي الجمعة والسبت في بوينس آيرس.
وهذه السنة تعقد قمة قادة مجموعة العشرين للمرة الأولى في أمريكا الجنوبية وتحديدا في الأرجنتين. وسينشر أكثر من 22 ألف شرطي أرجنتيني، لضمان أمن القمة التي تعقد في بلد يشهد أزمة اقتصادية جديدة، وبعد عام على قمة لمجموعة العشرين جرت في هامبورج وشهدت أعمال عنف على هامشها.
ومن بين أبرز المواضيع التي تناولتها مجموعة العشرين تحت رئاسة الأرجنتين مستقبل العمل والبنية التحتية للتنمية، وتفعيل دور القطاع الخاص في هذا المجال، ومستقبل الغذاء المستدام.
- قضية بحر آزوف
وقال فرنسوا هيسبورج المستشار في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في باريس إن "الموضوع الذي يفرض نفسه هو قضية بحر آزوف"، حيث اعترض حرس حدود روس ثلاث سفن عسكرية أوكرانية. وردا على هذا الحادث، فرضت أوكرانيا وهي ليست عضوا في مجموعة العشرين حالة الطوارئ.
وردا على هذا الملف، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الخميس، عن إلغاء اللقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان من المقرر أن يعقد 1 ديسمبر/كانون الأول المقبل على هامش قمة العشرين في بوينس آيرس.،
وذكر الكرملين أنه لم يتلق تأكيدا لإلغاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قمته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، إلا أن ثبوت ذلك يعني أنه سيحظى بوقت إضافي لعقد لقاءات مفيدة بالأرجنتين.
- الصين في مواجهة ترامب
على الصعيد التجاري، ينتظر هيسبورج ليرى "ما إذا كانت الصين ستتصدى" لترامب الذي تبنى في الأيام الأخيرة مواقف متباينة منها.
ويفترض أن يجري الرئيس الأمريكي محادثات مع نظيره الصيني شي جين بينغ في بوينس آيرس، اللقاء الثاني المهم في قمة العشرين.
وبعدما هز التصعيد الذي تمثل بإجراءات جمركية انتقامية بين بكين وواشنطن الاقتصاد العالمي، كرر ترامب يوم الإثنين تهديده بفرض رسوم على كل البضائع المستوردة في الولايات المتحدة.
لكنه عاد يوم الثلاثاء وقال إنه يرى "فرصة جيدة" للتوصل إلى اتفاق مع بكين ببعض الشروط.
وكانت قمة التعاون الاقتصادي لآسيا المحيط الهادي انتهت في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري بمأزق، بلا إصدار بيان ختامي، بعد مناقشات صاخبة بين الممثلين الأمريكيين والصينيين.
وفي بوينس آيرس، صرح وزير الخارجية الأرجنتيني خورخي فوري بأن المشاركين سيحرصون في البيان الختامي على الدعوة إلى رؤية "منطقية وإيجابية" للتجارة.
- التعددية في مأزق
لكن الوضع يبدو بعيدا عن الوحدة المعلنة التي اختتمت بها قمة مجموعة العشرين الأولى في واشنطن في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2008. وقد أشاد البيان الختامي بـ"التعددية" لتأمين "الرخاء" لعالم كانت تهزه أزمة مالية.
وبعد 10 سنوات، تواجه التعددية صعوبات بسبب شعار "أمريكا أولا" الذي رفعه دونالد ترامب وانتخاب قادة شعبويين في إيطاليا والبرازيل وغيرهما، وكذلك بريكست.
ولم يعد هناك توافق على أي نوايا حسنة حتى لو كانت مبهمة جدا، وهذا ينطبق خصوصا على مكافحة الاحترار التي تنوي فرنسا الدفاع عنها في بوينس آيرس، قبل أن يفتتح في الثاني من ديسمبر/كانون الأول المقبل مؤتمر المناخ الكبير في بولندا.
ولن ينجح الرئيس إيمانويل ماكرون بالتأكيد في كسب تأييد دونالد ترامب الذي دان اتفاق باريس ويشكك باستمرار في مفهوم ارتفاع حرارة الجو. ويبدو أن اللقاء بينهما سيكون فاترا بعد تغريد ساخرة للرئيس الأمريكي حول تراجع شعبية نظيره الفرنسي.
- أسعار النفط
وهناك قضية حساسة أخرى هي النفط. فالسعودية وروسيا أكبر دولتين مصدرتين للمحروقات، يمكن أن تفكرا في خفض إنتاجهما للحد من تراجع أسعار الذهب الأسود، وهو ما قد يثير استياء ترامب المتمسك جدا بأن تكون أسعار نفط منخفضة.
وارتفعت أسعار النفط، أمس الخميس، بما يصل إلى 2%، بعدما قالت مصادر بالقطاع إن روسيا تقبلت ضرورة خفض الإنتاج مع أوبك قبل اجتماع المنظمة في الأسبوع المقبل.
وهبطت الأسعار نحو 22% منذ بداية نوفمبر/تشرين الثاني، لتتجه صوب تكبد أكبر خسائرها الشهرية منذ ذروة الأزمة المالية العالمية في 2008.
وتعرضت الأسعار لضغوط جراء الارتفاع المطرد لإمدادات الخام من الولايات المتحدة، وهي الآن أكبر منتج في العالم، بجانب إصرار السعودية على أنها لن تخفض الإنتاج بمفردها من أجل تحقيق الاستقرار بالسوق. ونزل خام القياس العالمي برنت في وقت سابق أمس الخميس إلى أدنى مستوى له في 2018 دون 58 دولارا للبرميل.
وتعافت الأسعار بعدما قالت مصادر إن روسيا ستدرس المشاركة في جهود خفض الإنتاج مع السعودية وغيرها من أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول.
وأوضح جون كيلدوف الشريك في "أجين كابيتال" في نيويورك أن السوق تتوقع الآن خفضا محتملا بمقدار مليون برميل يوميا من أوبك وحلفائها.
وقال مايكل مكارثي كبير المحللين لدى "سي إم سي ماركتس": "رأينا زيادات ضخمة في المعروض وهناك شكوك إزاء حالة الطلب. لكن، قد نرى تحركا في قضايا التجارة العالمية خلال اجتماع مجموعة العشرين الذي يبدأ اليوم".
- "G20".. التأسيس
وتعود بدايات مجموعة العشرين إلى سبتمبر/أيلول 1999 خلال اجتماع لوزراء مالية مجموعة السبع التي ضمت كندا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا بجانب بريطانيا وإيطاليا واليابان، استجابة لضرورة التعاون بين الدول المتقدمة والناشئة بعد الأزمة الآسيوية آنذاك. وقد عقد الاجتماع التأسيسي في برلين في ديسمبر/كانون الأول 1999.
وكان حضور اجتماعات مجموعة العشرين في البداية مقتصرا على وزراء المالية وحكام المصارف المركزية للأعضاء عندما أنشئت قبل 19 عاما.
لكن بعد الأزمة المالية الأخيرة عام 2008 وتحديدا في نوفمبر/تشرين الثاني دعا الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش قادة دول مجموعة العشرين إلى واشنطن لتنسيق الاستجابة العالمية للأزمة، خاصة بعد تعثر ليمان بروذرز، ما خلق أول قمة لقادة مجموعة العشرين، لتصبح قمة سنوية، وهي تحتفل بعيدها العاشر هذه السنة في بوينس آيرس، ليكون أول اجتماع تستضيفه أمريكا الجنوبية.
وتتم رئاسة مجموعة العشرين بالمناوبة، حيث تم تقسيم الدول إلى 5 مجموعات تتألف من 4 دول كحد أقصى، وكل مجموعة عليها اختيار أحد أعضائها للرئاسة عندما يصل دورها.
ويحق للدولة التي تتولى رئاسة مجموعة العشرين دعوة بعض الدول لحضور الاجتماع وقد دعت الأرجنتين هذا العام تشيلي وهولندا.
أما إسبانيا فهي ضيف دائم في اجتماعات مجموعة العشرين.
وتتألف الترويكا لمجموعة العشرين من البلد الذي يشغل رئاسة مجموعة العشرين حاليا أي الأرجنتين، والدولة التي تولت الرئاسة في العام السابق أي ألمانيا، والدولة التي ستتولى الرئاسة العام المقبل وهي اليابان، وذلك لضمان استمرارية جدول أعمال المجموعة من عام لآخر.
ومن المتوقع أن تطغى بعض المواضيع على نقاشات قمة قادة مجموعة العشرين، على رأسها كيفية حل التوترات التجارية، لا سيما بين الولايات المتحدة والصين والتغير المناخي والهجرة.