الغابون ونار الفوضى.. دومينو الانقلابات يمهد طريق الإرهاب
دومينو الانقلابات يتحرك بأريحية في أفريقيا، ويقطع القارة السمراء على خط عرضي، من الغرب إلى الوسط، ويمهد الطريق لآفة أرهقت المنطقة
إذ انضمت الغابون إلى نادي الانقلابات، وبعد بوركينا فاسو ومالي والنيجر في غرب أفريقيا، سقط البلد المتموضع في وسط القارة السمراء في غياهب التغيير بالقوة.
وعلى عكس الشائع، فإن الانقلابات اصطلاحا هي حالة من حالات السيولة الأمنية، تكون فيها الجيوش منشغلة بالحالة السياسية وما يمكن أن يحدث من ارتدادات، ما يخلق فراغا أمنيا مثاليا لتنامي الحركات الإرهابية.
ففي نيامي كان التخوف خلال الأسابيع الماضية من التنظيمات الإرهابية المتواجدة في غرب أفريقيا مثل "داعش" و"القاعدة" و"نصرة الإسلام والمسلمين"، خاصة في منطقة المثلث الحدودي بين مالي وبوركينافاسو والنيجر، إضافة إلى جماعات محلية على رأسها بوكو حرام.
بل تجاوز الموضوع التخوفات، وجرى رصد تحركات مكثفة لتنظيمات إرهابية لاستغلال انقلاب النيجر، وفق مراقبين، حتى جاءت الغابون، لتسلط الضوء على مخاوف جديدة من انتقال الإرهاب إلى بلد مستقر وآمن وبعيد عن فوضى هذه التنظيمات.
صراع نفوذ
على مستوى غرب أفريقيا، تتنافس جماعات وتنظيمات إرهابية على النفوذ في منطقة الساحل، بعد انسحاب القوات الغربية من المنطقة، وخاصة مثلث مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
ووقعت مؤخرا معارك بين تنظيمات "داعش" ونصرة الإسلام والمسلمين، والأخير مكون من اندماج 5 جماعات محلية تابعة لتنظيم القاعدة، الشهر الماضي، في مناطق تادنجدجورن وفتلي وهرارا في مالي على الحدود مع بوركينا فاسو.
وتعد هرارا مركزا مهما لـ"داعش" فيما يخص المواد اللوجستية والمصادر الغذائية والطبية.
وكذلك اشتبك التنظيمان في معارك طاحنة في منطقة تيبسبتي شمال شرقي مالي، وعدة مناطق في المثلث الحدودي.
تقاسم السيطرة
ويرى خبراء أن تنظيم "داعش" يواجه صعوبة أمام تنظيم القاعدة، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على وجوده في المناطق الشرقية والوسطى والشمالية في بوركينا فاسو وفي وسط مالي، ولذلك يبحث عن مد نفوذه في مناطق أخرى، منها بنين ونيجيريا وضم جماعات الجريمة المنظمة المحلية في هذه الدول.
وتوقع خبراء تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، حدوث مزيد من المواجهات في المناطق التي يتواجد بها التنظيمان حاليا بعد انقلاب النيجر، حتى يتم التوصل لاتفاق على تقاسم السيطرة والأراضي، أو يضعف أحد التنظيمين بشكل يجبره على الخروج من منطقة ما لصالح التنظيم الآخر.
الغابون بعيدة
وإذا كانت الجماعات الإرهابية حصلت على دفعة قوية بعد الانقلابات في غرب أفريقيا، وبالتحديد مالي وبوركينا فاسو والنيجر في السنوات الماضية، طرأت تساؤلات حول مصير الغابون بعد الانقلاب الذي جرى أمس وأطاح بالرئيس علي بونغو.
ووفق مراقبين، لم يجر رصد تنظيمات إرهابية بشكل واضح في دول وسط أفريقيا، باستثناء وجود غير فعال قرب الكاميرون وتشاد، فيما كانت الغابون بعيدة عن انتشار وسيطرة هذه التنظيمات والتي تتمدد حيث الفوضى، ما يعني أن استقرار الغابون في السنوات الماضية كان عائقا على ما يبدو.
تحركات
منير أديب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، قال إن هناك مساحة حركة كبيرة لهذه التنظيمات الإرهابية على حدود الدول في هذه المنطقة، لعدم وجود رقابة كافية على الحدود الطويلة والمفتوحة.
وأضاف أديب لـ "العين الإخبارية" أن "الحركات الإرهابية في غرب أفريقيا تتحرك بأريحية شديدة، وتوفر الأوضاع الهشة التي أحدثتها الانقلابات العسكرية مساحة حركة لها بصورة أكبر، مما أدى إلى تنامي نفوذها".
أديب أرجع النشاط الإرهابي في غرب أفريقيا أيضا إلى انسحاب أو طرد القوات الفرنسية والأمريكية والتي كانت مهمتها في المقام الأول المساعدة في مكافحة الإرهاب، مؤكدا أن المنطقة مرشحة لمزيد من الانقلابات والفوضى، ما سيزيد من تمدد وتمكن هذه الجماعات المتطرفة.
لكنه استدرك في الوقت نفسه "قد لا يكون هناك تواجد أو نشاط ملحوظ للإرهاب في وسط أفريقيا كما هو الحال في الغرب الأفريقي، إلا أن غياب التنظيمات هناك، لا يعني أنه ليس بإمكانها التمدد".
ومضى قائلا "يمكن أن تكون هناك خلايا نائمة للإرهاب في وسط أفريقيا، ويساعد الانقلاب في الغابون في ظهورها على السطح وتنامي نشاطها أيضا".
أرضية صالحة
أما محمد أغ إسماعيل الأستاذ في العلوم السياسية بجامعة باماكو، بدا متشككا من وجود جماعات إرهابية في وسط أفريقيا.
وقال إسماعيل لـ"العين الإخبارية"، "أعتقد أنه لا يوجد هناك داعش أو القاعدة، ولكن هذه التنظيمات قد تكون قريبة في تشاد وأفريقيا الوسطى".
ولا يستطيع الخبير السياسي، أن يجزم أنه بعد انقلاب الغابون "قد ينتقل الإرهاب في منطقة وسط أفريقيا".
وتابع "لا أتصور أن تنخرط الجماعات الإرهابية في المنطقة قبل التأكد من أن هناك أرضية صالحة لوجودها"، متسائلا "هل البيئة مهيئة في الغابون، وهل هناك عناصر إرهابية نائمة هناك".
وفي توضيح لسؤاله، لفت إلى أنه لم يسمع بوجود أي جماعات ولا أي خلايا نائمة في الغابون.. "لا دولية ولا محلية"، لكن باعتقاده "كل شيء وارد في ظل التغييرات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة".
تنامي الإرهاب
وعلى صعيد غرب أفريقيا، أكد الخبير المنحدر من مالي، أن الإرهاب قد تنامى بعد الانقلاب في النيجر، رغم أن الجماعات الإرهابية كانت موجودة وبقوة في عهد الرئيس المعزول، محمد بازوم".
وأشار إلى أن "هناك الآن عمليات إرهابية وآلاف المجرمين بالمنطقة، فالأرضية صالحة بالفعل في مالي وبوركينا فاسو والنيجر إضافة إلى نيجيريا وليبيا"، موضحا أن عامل الفقر والخلافات موجود بقوة، وهذا يساعد في انتشار الإرهاب والحركات التابعة لـ"داعش" والقاعدة.
وبين أن هناك جماعات غرب نيامي متمثلة في "أنصار الشريعة" وهي جماعة محلية ظهرت في النيجر بعد الانقلاب، محذرا من أن ذلك من الممكن أن يتطور.
ورأى أن عدوى الإرهاب يمكن أن تكون بشكل أسوأ في بقية دول المنطقة، مشيرا إلى وجود جماعة بوكو حرام في نيجيريا أيضا.
وفي هذا السياق، شدد الخبير السياسي على ضرورة إنقاذ دول غرب أفريقيا من تنامي هذه الجماعات الإرهابية.
خلايا نائمة
عبد المهيمن محمد الأمين، مدير جامعة المغيلي الدولية، في عاصمة النيجر نيامي، أوضح بدوره أن الجماعات الإرهابية في الأيام الأولى لانقلاب النيجر، حاولت أن تنشط في المثلث الحدودي مع مالي وبوركينا فاسو.
"لكن الجيش في النيجر قام بتحرك استباقي في الأيام الأخيرة، ووجه ضربة قوية لهم على الحدود مع مالي"، بحسب الأمين.
وبيّن أن حركة بوكو حرام نشطت في المنطقة حتى وصلت إلى الكاميرون في وسط أفريقيا، ما يعني أن التنظيمات الإرهابية تنتشر في الأماكن التي تسودها الفوضى.
وبالنسبة للأمين، "من السابق لأوانه توقع تحركات إرهابية بالقرب من الغابون بعد الانقلاب"، مضيفا أن الأخيرة "كانت دولة مستقرة، لكن من المؤكد والمتوقع أيضا إمكانية وصول هذه الحركات إلى الشرق الأفريقي".
وأكد أن "الحركات الإرهابية لديها خطط استراتيجية، ولن تكتفي بدول غرب أفريقيا"، و "أن هذه الحركات موجودة في الحدود مع الكاميرون وبالقرب من تشاد، ويمكن أن يكون لديها خلايا نائمة كانت تنتظر تحرك كرة الفوضى في وسط القارة، وقد يكون استقرار الغابون في السابق حال دون هذا النشاط".
وكان ضباط من جيش الغابون، أعلنوا أمس الأربعاء، الاستيلاء على السلطة، ووضع الرئيس علي بونغو رهن الإقامة الجبرية، بعد دقائق من إعلان لجنة الانتخابات فوزه بولاية ثالثة.
وفي تسارع وتيرة الأحداث، عيّن العسكريون في الغابون، قائد الحرس الجمهوري الجنرال بريس أوليغي نغيما "رئيساً للمرحلة الانتقالية".