رايات بيضاء.. «دروع» نازحي غزة (صور)
يسيرون بين الجثث والأشلاء وسط الدبابات الإسرائيلية وهم يرفعون ما تيسر من رايات بيضاء في نزوحهم القسري نحو الجنوب هربًا من نيران القصف.
جحافل تسير بخطى متثاقلة على طرقات تتجه نحو جنوب قطاع غزة، ملتحفين بسماء ملغومة يمكن أن تنفجر على رؤوسهم في أي لحظة وترديهم أشلاء.
في مخيلتهم، لا تزال الجثث المتناثرة في شارع الرشيد الساحلي بالقطاع عالقة تخبرهم بأنهم من الممكن أن يشهدوا المصير نفسه، ولذلك لم يجدوا من بد سوى رفع رايات بيضاء أملا بأن تكون رسالة سلام تقيهم القصف.
لم تكن رايات بمعنى الكلمة، لكن كان اللون الأبيض هو كل ما ينشدون، عدا ذلك، استخدموا أي شيء اعترض سبيلهم: قطع ملابس، ومناديل، وحتى قطع صغيرة من أكفان.
وفي أحيان كثيرة، ومع طول المسافة وحرارة الشمس، تتحول الرايات إلى أغطية للرؤوس.
رحلة رعب
علا الغول التي نزحت بعد شهر من بدء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس تحدثت عن "الخوف"، وقالت الشابة التي غطت رأسها بحجاب ذهبي اللون "لم نر جنودًا، رأينا الدبابات (الإسرائيلية) على جانبي الطريق".
وأضافت لوكالة فرانس برس: "مشينا أسرابا رافعين أيدينا، حاملين رايات بيضاء".
اضطُر خلال الشهر الماضي وفقا للأمم المتحدة نحو 1,5 مليون نسمة للنزوح داخل القطاع المحاصر من أصل مجمل سكانه البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة.
وروت أميرة السكني أنه خلال سيرهم من وسط القطاع باتجاه الجنوب بعد أن ألقت عليهم إسرائيل منشورات تحثهم على الرحيل "رأينا جثثا، أشلاء، شهداء، الناس تترك دوابها وتكمل طريقها مشيا".
وأضافت الشابة التي كانت تحمل طفلها وعبوة مياه "لم أتخيل المسافة التي قطعناها، حصلنا على مياه من الجيران".
وتابعت: "نحن لا نريد الحرب، نريد هدنة، نريد السلام"، وقالت الأم إن طفلها الذي لم يكمل العامين صار "يعرف الصاروخ ويقول: لا أريد القصف يا ماما".
وقُتل منذ بدء الحرب التي اندلعت بعد هجوم مباغت شنته حركة حماس داخل الأراضي الإسرائيلية قبل شهر، أكثر من 10300 شخص في قطاع غزة معظمهم من النساء والأطفال بالإضافة إلى نحو 26 ألف جريح.
وفي الجانب الإسرائيلي، قتل 1400 شخص غالبيتهم من المدنيين معظمهم قضى في اليوم الأول للهجوم، فيما ما زالت حماس تحتجز أكثر من 240 رهينة، بحسب السلطات الإسرائيلية.
وأظهرت مقاطع فيديو لوكالة فرانس برس النازحين، وبعضهم على كراسيّ متحركة، وهم يحملون بعض الأمتعة الضرورية إلى جانب أطفالهم.
«لسنا إرهابيين»
قال هيثم نور الدين (29 عاما) إنه قطع مسافة بعيدة مع والدته وأخوته الأربعة وعدد من أقاربه إلى أن وصلوا إلى مخيم البريج في جنوبي القطاع.
وأضاف أنه ترك منزل العائلة قرب مستشفى الشفاء بسبب القصف العنيف وأنه شاهد في الطريق نحو الجنوب "جثثا متحللة".
وتقول إسرائيل إنها تطوق مدينة غزة حيث تقع المراكز القيادية التابعة لحماس لكنها ستسمح للسكان بمغادرة شمال القطاع.
ولكن على الرغم من إعلان إسرائيل عن ممر آمن، خصوصا على الطريق الواصل بين شطري القطاع، فإن الأرقام الرسمية للقتلى أكدت أن لا مكان آمنا في القطاع إذ قتل نحو 3600 شخص في جنوب ووسط غزة وفقا لوزارة الصحة التابعة لحماس.
أما حاتم أبو رياش الذي حمل عصا يتكئ عليها وتعينه على المشي الطويل فتحدث لفرانس برس عن الرحلة "المروعة".
وقال الرجل الذي نزح من مخيم جباليا الذي تعرض تكرارًا للقصف العنيف منذ بداية الحرب، إنهم مروا على طول الطريق "بجانب الجنود والبنادق والدبابات والمدافع والرشاشات، الأمر كان مروعا".
وأكد الرجل ذو اللحية البيضاء "نحن لسنا إرهابيين، نحن مدنيون نريد أن نعيش بسلام".
محنة لا تنتهي
ولا تنتهي معاناة الغزيين بنزوحهم من الشمال نحو المناطق الوسطى أو الجنوبية حيث يعيش أكثر من 550 ألف شخص في 92 منشأة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فالبنية التحتية والمرافق في حالة مزرية والأمراض منتشرة.
وقالت المنظمة الأممية إن 600 شخص في أحد المواقع يتشاركون مرحاضًا واحدًا.
وأضافت أنها سجلت آلاف الإصابات بأمراض الجهاز التنفسي الحادة والتهابات الجلد والإسهال وجدري الماء، كما صار الوصول إلى الإمدادات الأساسية كالخبز صعبا أيضا.
ويصف معتز العجلة الذي نزح مع عائلته الوضع بأنه "سيئ جدا جدا".
ويضيف الرجل وهو يلتقط أنفاسه بينما ظهر خلفه شاب يدفع امرأة مسنة تجلس على عربة أطفال: "لا يوجد وضع إنساني بل هو كارثي".