فصل الصراعات.. أفضل طريقة لحل أزمات الشرق الأوسط؟
من غزة إلى لبنان قطار من الأزمات لحقت به سوريا مؤخرًا، مما طرح تساؤلات حول السبيل «الأنجع» لحل هذه الصراعات التي تؤجج الشرق الأوسط، والتي قد يكون بعضها مترابطًا بطرف خيط ما.
تساؤلات حاول أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية بباريس والمبعوث الأممي الأسبق بليبيا غسان سلامة، الإجابة عنها، في مقال له بصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، قائلا، إن ترتيبات وقف إطلاق النار في لبنان تبدو في نظر المتشككين وكأنها خُدعة لوقف حرب غير حاسمة بين إسرائيل وحزب الله.
وأشار إلى أن الصراع في لبنان، حققت فيه قوة عسكرية عالية التقنية عدداً كبيراً من المكاسب التكتيكية، لكن ليس إلى الحد الذي يسمح لها بإعلان النصر في إشارة إلى إسرائيل، فيما «خسرت» فيه جماعة مسلحة مصممة على الصمود قيادتها ومعظم ترسانتها، لكن ليس إلى الحد الذي يسمح لها بالاعتراف بالهزيمة.
وبحسب غسان سلامة، فإن قراءة أكثر تأكيداً لهذه الترتيبات من شأنها أن تضع الأساس للوصاية الغربية على لبنان، فإلى جانب الالتزام المعتاد بتنفيذ عدد من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الموروثة من المواجهات السابقة والتي تم تجاهلها إلى حد كبير، فإن الاتفاق الجديد يضيف شيئاً جديداً: «آلية» للإشراف على تنفيذ هذه القرارات من قِبَل كيان غربي بقيادة جنرال أمريكي وفرنسا عضو فيه.
هل هذا جديد؟
يجيب أستاذ العلاقات الدولية، قائلا: نعم، بمعنى أن هذه القرارات تركت للجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة المنتشرة على الحدود مهمة فرض تطبيقها، وكان مجلس الأمن يسجل بانتظام انتهاكاتها.
لكن اللبنانيين يتذكرون «آلية» متعددة الجنسيات، وضعت بعد الغزو الإسرائيلي عام 1982، والتي انتهت بعد عام واحد بهجوم ضخم ضد القوات الأمريكية والفرنسية التي كانت جزءاً من الغزو.
وفيما لا تذكر «الترتيبات» الجديدة أي نشر لقوات غربية على طول خطوط عام 1982، يقول سلامة، إنه من الصعب تخيل مهمة مراقبة من دون وجود أفراد عسكريين لتنفيذها.
وبحسب المبعوث الأممي الأسبق، فإن «الترتيبات» تفصل بوضوح بين الوضع في جنوب لبنان والحرب التي تشنها إسرائيل ضد حماس في غزة، لكنها تربط بالضرورة بين قضية الأمن في جنوب لبنان والأزمة الحادة التي انزلقت إليها البلاد خلال السنوات الخمس الماضية.
ومن غير الممكن أن يفي لبنان بنصيبه من «الترتيبات» دون إعادة بناء مؤسساته على وجه السرعة، يضيف سلامة، مشيرًا إلى أن وقف إطلاق النار نقل إلى دولة لبنانية بلا رئيس، وتديرها حكومة تفتقر إلى السلطة الدستورية لاتخاذ القرارات (والتي تم إخطارها بالترتيبات قبل إعلانها مباشرة) وبرلمان لا يستطيع من حيث المبدأ أن يجتمع إلا لانتخاب رئيس.
شرط فعالية الترتيبات
ولكي تكون هذه «الآلية» التي تتضمنها «الترتيبات» فعّالة، فلابد وأن تخوض مجالاً لم يرد ذكره في فقراتها الثلاث عشرة: مساعدة اللبنانيين على إعادة بناء دولتهم، يقول سلامة.
وأكد أنه لكي تنجح هذه الآلية، فلابد أن تكون حازمة في التعامل مع الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة فحسب (وقد انتهكت إسرائيل هذه الترتيبات من جانب واحد عدة مرات خلال الأسبوع الأول)، بل ولابد أيضاً من أن تكون حازمة في مواجهة طبقة سياسية لبنانية فاسدة إلى حد كبير. وهو المسعى الذي أصبح أكثر صعوبة بسبب التفاوت الأساسي في هذه الترتيبات.
ففي حين تُمنح إسرائيل الحق في استخدام القوة للدفاع عن نفسها، فقد انتقل هذا الحق من حزب الله إلى الجيش اللبناني، الذي يفتقر إلى التجهيز الجيد مقارنة بنظيره الإسرائيلي، يضيف سلامة.
وأشار إلى أن هذا الأمر يكتسب أهمية خاصة وأن الوضع في غزة والضفة الغربية المحتلة لا يزال متفجراً، مؤكدًا ضرورة أن يكون الهدف هنا ليس مجرد الاتفاق على شروط وقف إطلاق النار، بل بناء كيان فلسطيني قادر على المساعدة في تحقيقه.
فصل الصراعات
وفيما كان من المتوقع أن تلعب سوريا دوراً في الترتيبات اللبنانية ــ من خلال منع عمليات نقل جديدة للأسلحة إلى لبنان عبر أراضيها، وقع البلد العربي بعد ثلاثة أيام من نشر الخطط، في أزمة حادة مع دخول المسلحين إلى حلب وسقوط العديد من المدن الأخرى في الشمال الغربي تحت سيطرتهم.
وتشير الملابس الجديدة التي يرتديها المسلحون والطائرات بدون طيار التي يستخدمونها بوضوح إلى «المساعدة الكبيرة» التي يتلقونها من تركيا، جارة سوريا إلى الشمال، يقول سلامة.
واختتم مقاله بالتأكيد على أن «فصل هذه الصراعات عن بعضها البعض هو السبيل العقلاني لحلها (على الأقل بعضها)، حتى وإن كانت مرتبطة بجذور عميقة في التاريخ، وتضامنات طائفية بين الدول، وتحالفات أيديولوجية».
وأشار إلى أن الحلول الجزئية، مهما كانت غير مرضية، أفضل من دورة طويلة من العنف قد تبتلع المنطقة بأكملها.