هذه هي غزة اليوم

إذا أردت أن تفهم معنى أن تصبح المدينة أثقل من أن تحمل سكانها، فتابع ما يحدث في مدينة غزة.
فهنا تتكدس الخيام فوق أنقاض البيوت، ويُدفع الناس إلى الرحيل نحو ما يسمى "المنطقة الإنسانية" في الجنوب، و التي بالكاد تستوعب من سبقهم.
وهنا، يسأل الكثيرون: إلى أين يمكن أن يذهب سكان مدنية غزة بعدما طُلب منهم الرحيل القسري جميعا؟
هذا ما تكشف عنه صور أقمار صناعية طالعتها "العين الإخبارية" في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وتظهر الصور كيف امتلأت كل بقعة فارغة تقريبا بالخيام، من الشواطئ حتى قلب الأحياء التجارية المدمرة.
ومن بين هذه الأماكن، يظهر شارع عمر المختار، المنطقة التجارية الرئيسية في مدينة غزة، حيث تمتلئ الحديقة الآن بمئات الخيام.
ويقول سكان غزة، وهم يعانون من الجوع والإرهاق، إنهم لا يجدون مكانا يلجأون إليه، وأن اقتلاعهم من جذورهم مرارا وتكرارا أمر شاقٌ ومكلف.
قبل أشهر قليلة فقط، كانت بعض هذه المناطق خالية من النازحين، لكن العمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة دفعت مئات الآلاف إلى التزاحم على الساحل، أو إلى الساحات العامة التي تحولت إلى مخيمات مكتظة تفتقر إلى أبسط مقومات العيش.
ولفتت "نيويورك تايمز"، إلى أن الأوامر الإسرائيلية الأخيرة بإخلاء المدينة بالكامل تعني أن قرابة مليون إنسان مطالبون بالانتقال جنوبا إلى "المنطقة الإنسانية" المكتظة مسبقا، وتفتقر إلى الماء، والصرف الصحي، والرعاية الطبية، ما يجعل فكرة استيعاب موجة نزوح جديدة شبه مستحيلة.
الصور تُظهر أيضا حجم الدمار الذي لحق بأحياء كاملة مثل "حي الزيتون" في أطراف مدينة غزة، والتي كانت مبانيه قائمة قبل أسابيع فقط، لكنها اليوم تحولت إلى مساحات مسواة بالأرض.
مشهد يذكّر بمناطق أخرى شرقي غزة مثل حي الشجاعية، حيث لم يبق شيء سوى الركام.
وصرح الجيش الإسرائيلي بأن عمليته المخطط لها في مدينة غزة ستمنع مقاتلي حماس من إعادة تنظيم صفوفهم والتخطيط لهجمات مستقبلية.
ودخلت إسرائيل مدينة غزة في وقت سابق من الحرب، لكنها قالت إنها ستنتقل هذه المرة إلى أجزاء من المدينة لم يهاجمها أو يسيطر عليها الجنود الإسرائيليون من قبل.
وحذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من أن تكثيف العمليات العسكرية في مدينة غزة سيتسبب في "كارثة" للمدنيين.
في حين أعلن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في أغسطس/آب الماضي، أن مدينة غزة والمنطقة المحيطة بها تعانيان رسميا من المجاعة.
في أمر إخلاء مدينة غزة، أصدر الجيش الإسرائيلي تعليماته للسكان بالتوجه إلى ما أسماه "منطقة إنسانية" في النصف الجنوبي من القطاع، وهو شريط ساحلي ضيق لجأ إليه مئات الآلاف من الناس بالفعل.
وأفاد الجيش الإسرائيلي بوجود "مناطق شاسعة خالية من الخيام". لكن مئات الآلاف من الفلسطينيين يعيشون هناك بالفعل، وتتداخل أجزاء من المنطقة مع المناطق التي أمر الجيش بإخلائها.
تُظهر صور الأقمار الصناعية من أكتوبر/تشرين الأول 2023، في بداية الحرب، أن هذه المناطق نفسها عبارة عن حقول زراعية خضراء وأراض مفتوحة.
كانت المنطقة قليلة السكان قبل الحرب، وتفتقر إلى المأوى والصرف الصحي والمياه والرعاية الطبية اللازمة لاستيعاب أعداد كبيرة من الناس.
وأظهرت صور ومقاطع فيديو التُقطت يوم الثلاثاء حشودا من الفلسطينيين متجهين جنوبا من مدينة غزة.
ومع ذلك، قال آخرون إنهم يخططون للبقاء، مشيرين إلى أن الرحلة مكلفة للغاية، وأنهم لا يملكون مكانا يذهبون إليه، أو أنهم يخشون ألا يتمكنوا من العودة أبدا إذا غادروا.
وبين من قرر البقاء خشية ألا يتمكن من العودة مجددا، ومن حاول الرحيل نحو الجنوب رغم انعدام الأمان، تبدو الخيارات المتاحة لسكان مدينة غزة كلها محفوفة بالمخاطر.
فالمدينة التي كانت يوما القلب النابض للقطاع، تحولت الآن إلى رمز لمأساة مزدوجة تتمثل في فقدان المأوى، وفقدان الطريق إلى مستقبل آمن.