هدنة غزة.. نهاية «مخيبة» لجولة مفاوضات «واعدة»
جولة مفاوضات بدأت بآمال مرتفعة نحو التوصل لهدنة واتفاق لتبادل الرهائن، مدفوعة بضغط دولي لإنجاحها، وإعلان كلا الطرفين، حماس وإسرائيل، الاستعداد لحلول وسط، لكن نهايتها خالفت كل التوقعات.
تلك الهدنة المأمولة بنى عليها ملايين الفلسطينيين أحلاما، بأن تحقن لهم الدماء وأن توقف نزيف الأرواح أو تمهد لعودة النازحين لبيوتهم المدمرة، وأن تقف حائلا دون اجتياح رفح، الذي سيكون "كارثة إنسانية محققة".
- رئة غزة التجارية تدخل دائرة الاشتباك.. ما هو معبر كرم أبو سالم؟
- هدنة غزة تحت مطرقة اليمين المتطرف.. سموتريتش يتظاهر ضد نتنياهو
ولم تسفر المفاوضات التي استمرت على مدار أيام في مصر عن اتفاق، إذ أعلنت إسرائيل وحماس، تمسكهما بموقفيهما.
وقادت مصر وقطر والولايات المتحدة وساطة سعياً للتوصل إلى هدنة والإفراج عن رهائن إسرائيليين في قطاع غزة، لقاء إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
وأكد مصدر مطلع لرويترز، أن " وليام بيرنز مدير المخابرات الأمريكية توجه إلى الدوحة لاجتماع طارئ مع رئيس الوزراء القطري"، مشيرا إلى أن "قطر والولايات المتحدة تمارسان ضغوطا قصوى على إسرائيل وحماس لمواصلة المفاوضات".
وفد حماس يغادر
وأعلن مسؤول في حركة حماس انتهاء مباحثات الهدنة واستعداد وفد الحركة لمغادرة القاهرة عائدا إلى الدوحة.
وقال المسؤول في حماس لـ"فرانس برس"، إن "اجتماع الأحد، في العاصمة المصرية، بشأن وقف إطلاق النار في غزة انتهى وأن وفد الحركة سيغادر إلى الدوحة".
وقال المسؤول المطلع على المفاوضات شرط عدم الكشف عن هويته: "انتهى اللقاء مع اللواء عباس كامل رئيس المخابرات المصرية، وسيغادر وفد حماس للدوحة لاستكمال المشاورات".
واتهم إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بـ"تخريب" الجهود المبذولة في المفاوضات الرامية للتوصل إلى هدنة في قطاع غزة.
وقال هنيّة، في بيان، إن "العالم بات رهينة لحكومة متطرفة (...) ورئيسها يريد اختراع مبررات دائمة لاستمرار العدوان وتوسيع دائرة الصراع، وتخريب الجهود المبذولة عبر الوسطاء والأطراف المختلفة".
وأوضح هنيّة أنه "الوفد الذي وصل إلى القاهرة، كان يحمل مواقف إيجابية ومرنة مع أهمية الارتكاز على أن الأولوية لدى الحركة هي لوقف العدوان على شعبنا، وهو موقف جوهري ومنطقي، ويؤسس لمستقبل أكثر استقراراً".
وأضاف أن "حماس لا تزال حريصة على التوصل إلى اتفاق شامل ومترابط المراحل، ينهي العدوان، ويضمن الانسحاب، ويحقق صفقة تبادل جديدة للأسرى".
ولفت المسؤول، إلى أن "توجه مدير المخابرات الأمريكية إلى قطر يأتي في ظل اقتراب محادثات غزة من الانهيار".
تفاصيل الخلافات
وبعد جولة أولى من المحادثات جرت، السبت، في القاهرة بحضور وفد من حماس برئاسة عضو مكتبها السياسي خليل الحية وممثلين عن دول الوساطة، أبدت إسرائيل وحماس مرة جديدة الخلافات الكبيرة بينهما من أجل التوصل إلى هدنة، وتبادل الطرفان الاتهامات بعرقلة التوصل إلى أي اتفاق هدنة.
ولم ترسل إسرائيل وفدها إلى القاهرة، وكان مسؤول إسرائيلي كبير قد شدد على أن إرسال وفد بقيادة رئيس الموساد ديفيد برنياع إلى العاصمة المصرية رهن "تطور إيجابي" بشأن إطار صفقة الرهائن.
واختلفت إسرائيل وحماس حول شروط التوصل إلى هدنة وتبادل للرهائن والمعتقلين في الحرب في قطاع غزة.
وكان مسؤول كبير في حماس، أكد أنّ الحركة "لن توافق بأي حال من الأحوال على اتفاق لا يتضمن صراحة وقفا دائما للحرب".
واتهم المسؤول الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّه "يعرقل شخصيا" جهود التوصل لاتفاق وذلك لما اعتبره "حسابات شخصية"، مؤكدا أن "تعنت الاحتلال قد يعطّل المفاوضات ونتنياهو يتحمل كامل المسؤولية" عن فشلها.
وأعلن نتنياهو، الأحد، أن إسرائيل "لا يمكن أن تقبل" بشرط حماس إنهاء الحرب للموافقة على مقترح الهدنة.
وقال خلال اجتماع لمجلس الوزراء "لسنا مستعدين لقبول وضع تخرج فيه كتائب حماس من مخابئها وتسيطر على غزة مرة أخرى، وتعيد بناء بنيتها التحتية العسكرية، وتعود وتهدد مواطني إسرائيل"، على ما أورد مكتبه.
واعتبر أن "الاستسلام" لمطالب حماس سيكون بمثابة "هزيمة مروعة" لإسرائيل.
واندلعت الحرب في قطاع غزة مع شن حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل أسفر عن مقتل أكثر من 1170 شخصا، معظمهم مدنيون، حسب تعداد لفرانس برس يستند إلى بيانات إسرائيلية رسمية.
وخطف أكثر من 250 شخصا ما زال 129 منهم محتجزين في غزة، توفّي 35 منهم وفق مسؤولين إسرائيليّين.
وردت إسرائيل متوعدة بـ"القضاء" على حماس، وهي تنفذ حملة قصف مدمرة وعمليات برية في قطاع غزة، ما تسبب بسقوط 34683 قتيلا غالبيتهم مدنيون، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.
وتظاهر مساء السبت، آلاف الأشخاص، بينهم أقارب رهائن في تل أبيب لمطالبة الحكومة بإبرام اتفاق يتيح الإفراج عنهم.
الهجوم على رفح يقترب
ومع اقتراب انهيار المفاوضات بات تلوّيح إسرائيل وخصوصا رئيس وزرائها منذ أسابيع بشن هجوم بري على مدينة رفح المكتظة بحوالي 1.4 مليون فلسطيني معظمهم نازحون هربوا من القصف والمعارك أقرب من أي وقت مضى.
ويشدد نتنياهو على أن هذا الهجوم ضروري "للقضاء" على آخر كتائب حماس، مهدّدا بالمضيّ به "مع اتفاق أو من دونه".
وأبدت واشنطن مرارا معارضتها لمثل هذا الهجوم ما لم يقترن بخطط موثوق بها لحماية المدنيين الفلسطينيين.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن هذا الأسبوع إن إسرائيل لم تقدم "خطة ذات مصداقية لتأمين حماية حقيقية للمدنيين" في رفح، محذرا من أنه "في غياب مثل هذه الخطة، لا يمكننا دعم عملية عسكرية كبيرة في رفح لأن الضرر الذي ستُحدِثه يتجاوز حدود المقبول".
وتشكل رفح نقطة العبور البرية الرئيسة للمساعدات الإنسانية الخاضعة لرقابة إسرائيلية صارمة والتي تدخل بكميات ضئيلة لا تكفي إطلاقا نظرا إلى الاحتياجات الهائلة لسكان القطاع المحاصر البالغ عددهم حوالي 2.4 مليون نسمة.
وحذرت الأمم المتحدة بأن هجوما على المدينة سيسدد "ضربة قاسية" لعمليات إدخال المساعدات الإنسانية.
وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي في مقابلة أجرتها معها شبكة "إن بي سي" الأميركية وبثّت مقتطفات منها الجمعة "عندما تكون هناك نزاعات من هذا النوع مع ما تثيره من مشاعر وما تشهده من أحداث، تحلّ المجاعة".
وأضافت سيندي ماكين أنه في قطاع غزة "المجاعة هنا، مجاعة حقيقية في الشمال تنتقل إلى الجنوب" مطالبة بـ"وقف لإطلاق النار والقدرة على الوصول من دون عوائق" إلى غزة لإدخال المساعدات.