«ريفييرا الشرق».. غزة تائهة بين أحلام ترامب ومستقبل نتنياهو
"تحولٌ جيوسياسي محيرٌ للعقل في الشرق الأوسط" و"شريان حياة سياسي لنتنياهو"، هكذا رأى البعض فكرة ترامب السيطرة على غزة.
وأمس الثلاثاء، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن خطة تتيح للولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة وإعادة توطين الفلسطينيين في دول أخرى، سواء أرادوا المغادرة أم لا، وتحويل المنطقة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
وقدم ترامب اقتراحه الصادم وسط استهجان ظاهر بين الحضور خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض.
وبدا أن ترامب الذي أعلن أيضا عن نيته زيارة غزة، يلمح إلى أن إعادة بناء غزة لن تكون لصالح الفلسطينيين.
وفي حين ظل غامضا بشأن تفاصيل خطة تملُك غزة، ألمح إلى أن ذلك قد يتطلب وجود قوات أمريكية على الأرض في أحد أكثر الأماكن اضطرابا في العالم "إذا لزم الأمر".
"محير للعقل"
تصريحات ترامب وصفتها شبكة "سي إن إن" بأنها "التدخل الأكثر إذهالا في التاريخ الطويل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
وقالت "بكلمات قليلة، استحضر ترامب تحولا جيوسياسيا محيرا للعقل في الشرق الأوسط وشريان حياة سياسيا لنتنياهو - مما يوضح لماذا كان رئيس الوزراء، على الرغم من التوترات السابقة بينهما، يشجع عودة مضيفه إلى السلطة في انتخابات 2024".
وفي هذا الصدد، لفتت إلى أنه "يمكن لنتنياهو الآن أن يروج لنفسه للأحزاب اليمينية المتطرفة في ائتلافه، والتي تهدد باستمرار قبضته على السلطة، باعتباره القناة الفريدة والحيوية لترامب".
وكان وزير الأمن القومي الإسرائيلي السابق اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، الذي استقال من حكومة نتنياهو الحربية في وقت سابق من هذا العام احتجاجا على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، قد أكد على التآزر بين تفكير ترامب والمحافظين المتطرفين في إسرائيل.
وكتب في منشور على "إكس": "دونالد، يبدو أن هذه بداية صداقة جميلة".
واعتبرت "سي إن إن" أن تصريحات ترامب بالأمس، تشكل "لحظة بارزة في تاريخ صنع السلام الأمريكي في الشرق الأوسط".
وأضافت "تشبه الفكرة خطة اقترحها صهر ترامب المستثمر جاريد كوشنر العام الماضي لإخراج الفلسطينيين من غزة وتنظيفها لتطوير الواجهة البحرية، القيّمة للغاية للمنطقة على البحر الأبيض المتوسط".
وتعليقا على تصريحات ترامب، أكد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، على موقف السلطة الوطنية الثابت في أن "حل الدولتين وفق الشرعية الدولية والقانون الدولي هو الضمان للأمن والاستقرار والسلام".
وقال "تؤكد القيادة الفلسطينية رفضها لكل دعوات التهجير للشعب الفلسطيني من أرض وطنه".
وتابع "هنا ولدنا، وهنا عشنا، وهنا سنبقى. ونثمن الموقف العربي الملتزم بهذه الثوابت".
فكرة "سخيفة"
لكن الفكرة تبدو "سخيفة" من وجهة نظر الشبكة الأمريكية، لأسباب متعددة.
أولا: إذا قاد زعيم أقوى ديمقراطية في العالم مثل هذا النقل القسري، فإنه سيعكس جرائم الطغاة في الماضي ويخلق ذريعة لكل مستبد لإطلاق برامج التطهير العرقي الجماعي ضد الأقليات الضعيفة.
وفي هذه الجزئية، أشارت الشبكة إلى أن "هذه الفكرة تتفق مع ولاية ترامب الثانية التي شهدت عدم وجود أي قيود على الرئيس من قبل القانون أو الدستور أو أي شخص من حوله يمنعه من القيام بما يريده بالضبط".
وكان الرئيس الأمريكي قد تحدث في وقت سابق عن خطة "لتنظيف" غزة، داعيا إلى نقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن.
ورفضت الدولتان ذلك بشكل قاطع، وأكد زعيماهما "الأخذ بالموقف العربي الموحد المطالب بالتوصل إلى السلام الدائم في منطقة الشرق الأوسط".
وفي حديثه عن مصر والأردن، قال آرون ديفيد ميلر، المفاوض الأمريكي السابق في عملية السلام في الشرق الأوسط، لشبكة سي إن إن: "إنها ليست صفقة عقارية بالنسبة لهما، إنها قضية وجودية".
كما أن فكرة نقل الفلسطينيين قسرا ستكون- بحسب الشبكة الأمريكية- مستحيلة سياسيا أيضا بالنسبة للمملكة العربية السعودية، التي جعلت من قيام الدولة الفلسطينية المستقلة شرطا لأي تطبيع مع إسرائيل.
ورأت "سي إن إن" أن الإخلاء الكامل لغزة من شأنه أن يوجه ضربة خطيرة لأحلام الدولة ويخلق سابقة قد تثير الشكوك حول الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية ــ التي تعتبرها الأمم المتحدة، مثل غزة، أرضا محتلة من قِبَل إسرائيل.
ناهيك عن أن فكرة موافقة أعداد كبيرة من الفلسطينيين على مغادرة غزة من أجل ضاحية مثالية في مكان آخر "تعتمد أيضا على فهم سطحي للصراع الذي تركهم محرومين".
فمنذ تأسيس إسرائيل في عام 1948، أثبتت آمال العودة لآلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في فقر في مخيمات اللاجئين، في أماكن مثل لبنان والأردن، أنها غير مجدية. وبالتالي، فإن سكان غزة لن يغادروا أبدا على أساس الوعود بأنهم قد يعودون يوما ما. بحسب ما خلُصت إليه الشبكة الأمريكية.
هل ترامب جاد؟
ورجحّت "سي إن إن"، أن تطلق تصريحات ترامب جولة أخرى من التكهنات حول ما إذا كان جادا بشأن خطة غريبة، أو ما إذا كان يستخدمها لصرف الانتباه عن مخطط آخر أكثر شرا.
وقالت الشبكة الأمريكية إن ترامب "مثله كمثل أحد كبار المستثمرين في العقارات في نيويورك، يتبنى موقفا أوليا غريبا لإخراج المحاورين عن التوازن أو كمحاولة افتتاحية ترفع قيمة موقف التسوية. إنه دائما يبحث عن صفقة - ويرى صراعات مثل تلك في الشرق الأوسط وأوكرانيا من خلال عدسة المطور".
وتعليقا على هذه الجزئية، رأت بيث سانر، وهي مسؤولة استخباراتية كبيرة سابقة أجرت إحاطة استخباراتية يومية لترامب خلال ولايته الأولى، أن تصريحات الرئيس الأمريكي كانت بمثابة تذكير بأنه "لا يفكر مثل شخص نموذجي في مؤسسة السياسة الخارجية".