عام على حرب غزة.. الاقتصاد الفلسطيني إلى «تآكل جامح»
عام مضى على الحرب في قطاع غزة، التي اندلعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بين إسرائيل وحركة حماس، مخلفة خسائر ضخمة في عموم فلسطين وليس غزة فقط.
البيانات التي رصدها البنك الدولي على مدار 11 شهراً من الحرب جاءت كارثية، إذ كشفت أن الأراضي الفلسطينية تقترب من السقوط الاقتصادي الحر، وسط أزمة إنسانية تاريخية في قطاع غزة.
أكبر انكماش اقتصادي على الإطلاق
وفق البيانات الرسمية أفصح عنها تقرير البنك الدولي المحدّث، الذي حمل «انعكاس الصراع في الشرق الأوسط على الاقتصاد الفلسطيني»، انحدر الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الأول من عام 2024 للأراضي الفلسطينية بشكل عام بنسبة 35% مما يمثل أكبر انكماش اقتصادي لها على الإطلاق.
وأوضح البنك الدولي أن الصراع دفع اقتصاد غزة إلى حافة الانهيار التام، مع انكماش مذهل بنسبة 86% في الربع الأول من عام 2024، كما ترك التوقف شبه الكامل للنشاط الاقتصادي القطاع في حالة ركود عميق، حيث انخفضت حصته من الاقتصاد الفلسطيني من 17% -في المتوسط بالسنوات السابقة- إلى أقل من 5% حالياً.
وبالتوازي مع ذلك انكمش اقتصاد الضفة الغربية بنسبة 25% بالربع الأول من عام 2024، إذ شهدت قطاعات التجارة والخدمات والبناء والتصنيع أكبر انخفاضات.
وقال البنك الدولي إن كل سكان قطاع غزة يعانون الفقر مع بلوغ نسبته 100%، وأشار إلى أن مؤشر أسعار المستهلكين السنوي (معدل التضخم) تجاوز 250%، بسبب اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن الحرب التي أكملت عامها الأول.
- غزة بعد الحرب.. تكلفة ضخمة لرفع الأنقاض وإعادة الإعمار تستغرق 80 عاماً
- معدلات التضخم تجاوزت 250%.. تقرير صادم للبنك الدولي حول الاقتصاد الفلسطيني
بطالة قياسية
وفي مواجهة الركود الاقتصادي في غزة وضعف الطلب في الضفة الغربية، وصلت معدلات البطالة إلى مستويات قياسية مرتفعة في كل من الضفة الغربية وغزة، وقد أظهر القطاع الخاص في الضفة الغربية قدرته على الصمود من خلال تفضيل نقص العمالة على تسريح العمال، ومع ذلك بسبب فقدان الوظائف وتقصير ساعات العمل شهد 87.2% من العمال في الضفة الغربية انكماشاً في دخول أسرهم منذ بداية الصراع.
بحسب معطيات البنك الدولي فإن السلطة الفلسطينية فقدت تقريباً 300 ألف مكان عمل منذ اندلاع الحرب، و200 ألف مكان عمل في غزة، وانخفض دخل الفرد 12% (28% في غزة) ووصل إلى 3300 دولار سنوياً.
في حين قدرت بيانات منظمة العمل الدولية خسارة الدخل اليومية بسبب فقدان الوظائف، بمبلغ 21.7 مليون دولار يومياً، الذي يرتفع إلى 25.5 مليون دولار يومياً عند الأخذ في الاعتبار انخفاض مداخيل موظفي القطاعين العام والخاص.
وبناء على تقرير حديث صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ومنظمة العمل الدولية، فإن التقديرات تشير إلى أن معدل البطالة في الأراضي الفلسطينية بلغ 50% في يونيو/حزيران 2024، وهو أعلى معدل على الإطلاق.
ومنذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وصل معدل البطالة في قطاع غزة إلى نسبة مذهلة بلغت 79.1%، وفي الضفة الغربية يُقدَّر معدل البطالة بنحو 35% بسبب الخسارة المفاجئة للوظائف في إسرائيل والمستوطنات، فضلا عن فقدان الوظائف في الاقتصاد المحلي.
وقد أدى توقف معظم العمليات التجارية في غزة إلى ترك معظم الأسر دون أي مصدر للدخل.
كما أدى تدمير أو إتلاف معظم الشركات إلى جانب نزوح كل من أصحابها والعمال، إلى ترك معظم الأسر دون أي مصدر للدخل، والأنشطة الاقتصادية الباقية هي في الغالب غير رسمية، إذ يتم بيع السلع الأساسية في السوق السوداء بأسعار باهظة.
انهيار القطاع الزراعي
القطاع الزراعي كان من بين أبرز القطاعات الاقتصادية الأكثر تضرراً جراء الحرب، فقبل عام 2020 وفرت الزراعة عمالة رسمية لنحو 13% من القوى العاملة في غزة ودعمت سبل عيش الغالبية العظمى، إذ وفرت فرص عمل غير رسمية لأكثر من 90% من السكان.
ويكشف تحليل الاستشعار عن بعد الأخير الذي أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الاصطناعية (يونوسات) أن 63% من الأراضي الزراعية الدائمة في غزة شهدت انخفاضاً في صحة المحاصيل وكثافتها، وتتأثر محافظات خان يونس ومدينة غزة وشمال غزة بشكل خاص، حيث تضرر ما يقرب من 70% من أراضيها الزراعية.
مجاعة واسعة النطاق
ونتيجة لذلك ارتفعت حالة انعدام الأمن الغذائي في غزة، مما دفع ما يقرب من مليوني شخص إلى حافة المجاعة على نطاق واسع، ويواجه جميع سكان غزة تقريباً نقصاً حاداً.
ويشير أحدث تحليل للتصنيف المرحلي المتكامل إلى أن 15% من السكان (350 ألف فرد) يعانون ظروفا تشبه المجاعة، مع نقص شبه كامل في الغذاء، بالإضافة إلى ذلك يعيش ثلث السكان في حالة طوارئ، ويعانون عجزا غذائيا حادا ومعدلات وفيات أعلى، وتزداد هذه الظروف حدة بشكل خاص في المناطق الشمالية، ومدينة غزة، ومحافظات دير البلح وخان يونس ورفح، مع توقع استمرار خطر المجاعة حتى سبتمبر/أيلول 2024.
ويعاني ما يقرب من 90% من الأطفال دون سن الثانية، إلى جانب 95% من النساء الحوامل والمرضعات في غزة، فقرا غذائيا شديدا، ويستهلكون مجموعتين غذائيتين أو أقل، يحدد نحو 95% من الأسر وجبات الطعام وحجم الحصص، إذ تتناول أسرتان وجبة واحدة في اليوم.
فيما شدد تقرير البنك الدولي على أن الأعمال العدائية والإغلاقات المستمرة منعت دخول الإمدادات الأساسية إلى القطاع، مما أدى إلى انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع ونقص حاد في المياه والوقود والمعدات الطبية، إلى جانب انهيار تقديم الخدمات، ويتفاقم الوضع الإنساني بسبب نزوح ما يقرب من 1.9 مليون شخص، مع امتلاء الملاجئ وعدم كفاية خدمات الصرف الصحي.
وتزداد التقارير عن الظروف الشبيهة بالمجاعة وسوء التغذية والأمراض، في حين تستمر الحواجز الرئيسية في الحد بشدة من الوصول إلى المساعدات الإنسانية، مما يعوق الجهود الرامية إلى معالجة الأزمة.
ومن المتوقع أن تصل فجوة التمويل لدى السلطة الفلسطينية إلى 1.86 مليار دولار في عام 2024، أي أكثر من ضعف فجوة عام 2023، وهو ما قد يشكل مخاطر مرتفعة، خصوصاً التأثير على تقديم الخدمات العامة.
ويعبّر البنك الدولي عن قلقه من أن الفجوة لا تزال تُملأ في الغالب بالاقتراض من البنوك المحلية والمتأخرات للقطاع الخاص والموظفين العموميين وصندوق التقاعد.
aXA6IDMuMTM3LjE3NS44MCA= جزيرة ام اند امز