الذخائر غير المنفجرة.. «ألغام موقوتة» تلتهم أطفال غزة

الأمر لا يتعلق بذخائر غير منفجرة تهددهم حاليا فحسب وإنما هي بمثابة «ألغام موقوتة» تطارد تلك الأرواح البريئة في كل لحظة، حاليا ومستقبلا.
ويحذّر خبير إبطال المتفجرات البريطاني السابق نيكولاس أور العائد من غزة أن القطاع الفلسطيني مليء بالذخائر غير المنفجرة التي سيستغرق إزالتها سنوات، ما يعرض سكانه، خصوصا الأطفال منهم، لخطر الموت أو الإصابة "بوحشية مطلقة".
وقال أور، خبير إبطال الألغام العسكري السابق في المملكة المتحدة، لوكالة فرانس برس بعد مهمة إلى القطاع المدمّر جراء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس: "نخسر شخصين يوميا بسبب الذخائر غير المنفجرة في الوقت الحالي".
ووفقًا لأور، فإن معظم الضحايا هم الأطفال الذين أبعدتهم الحرب عن مقاعد الدراسة وحرمتهم ألعابهم، فباتوا يتوقون للقيام بنشاطات لتمضية الوقت، منها البحث بين أنقاض المباني المدمرة.
وأوضح أنهم "يشعرون بالملل، فيتفقدون الأرجاء ليجدوا شيئا يثير فضولهم، فيحاولون اللعب به".
من بين الضحايا كان أحمد عزام (15 عاما) الذي فقد ساقه بسبب ذخيرة غير منفجرة بين أنقاض منزله في مدينة رفح بجنوب القطاع، والذي عاد إليه بعد شهور من النزوح.
وقال عزام لفرانس برس: "كنا نتفقد المكان فكان هناك جسم مشبوه لم اكن أعلم أنه قابل للانفجار... فجأة انفجر وأدى لإصابتي بجروح في جسمي وجروح بالغة في ساقيّ الاثنتين، ما أدى الى بتر إحداهما".
وكان عزام واحدا من مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين عادوا إلى ديارهم بعد سريان الهدنة في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي بعد أكثر من 15 شهرا من الحرب، قبل أن تستأنف إسرائيل ضرباتها الجوية وعملياتها العسكرية في مارس/ آذار الماضي.
"جاذبة للأطفال"
لكن العودة كانت محفوفة بالمخاطر بالنسبة لعزام وغيره من الأطفال.
وفي حين أقر أور الذي قام بمهمة في غزة لصالح منظمة "هانديكاب انترناشونال" الخيرية، أن أحدا ليس في مأمن من خطر الذخائر غير المنفجرة، شدد على أن الأطفال هم عرضة بشكل خاص لمخاطر الإصابة بسببها.
وأضاف: "بعض الذخائر لافتة بصريا كالذهب، لذا فهي تشكّل عامل جذب خاصة للأطفال"، متابعا "إذا التقطتها ستنفجر، وهذا يعني النهاية".
وفي ظل استمرار القتال في القطاع والقيود على دخول المساعدات الانسانية، تبقى البيانات المتوافرة قليلة.
لكن في يناير/كانون الثاني الماضي، قالت دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعقلة بالألغام إن "ما بين 5 و 10%" من الذخائر التي أُطلقت على قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم تنفجر.
وقالت الوكالة إن إزالة كل القنابل غير المنفجرة قد يستغرق 14 عاما.
وقالت ألكسندرا سايح من منظمة "سايف ذا تشيلدرن" إن الذخائر غير المنفجرة أصبحت مشهدا شائعا في قطاع غزة.
وأضافت "عندما تذهب طواقمنا إلى الميدان، ترى الذخائر غير المنفجرة طوال الوقت"، مؤكدة أنها "متناثرة في غزة".
"لعبة الأرقام"
أكدت سايح أن "الوضع كارثي" بالنسبة للأطفال الذين يفقدون أطرافهم، مشيرة إلى أنهم "يحتاجون إلى رعاية متخصصة وطويلة الأمد... غير متوفرة في غزة".
وفي مطلع مارس/آذار الماضي، حظرت إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر قبل أن تستأنف عملياتها العسكرية.
وشمل ذلك الإجراء الأطراف الاصطناعية التي كان من الممكن أن تساعد في تجنب فقدان الحركة على المدى الطويل، وفق صايح.
وأوضح أور أن الذخائر غير المنفجرة تأتي بأشكال مختلفة. وأشار إلى أنه في شمال غزة حيث دارت معارك برية على مدى أشهر، تنتشر ذخائر مثل "قنابل الهاون، والقنابل اليدوية، والكثير من الرصاص".
أما في رفح (جنوب) حيث كانت الغارات أكثر كثافة من القتال البري، فتنتشر "ذخائر المدفعية والذخائر التي تمّ إسقاطها من الجو"، ويصل وزن بعضها الى عشرات الكيلوغرامات، بحسب أور.
وأكد أور أنه لم يتمكن من الحصول على إذن لإزالة القنابل غير المنفجرة في غزة، إذ إن الرقابة الجوية الإسرائيلية حيث يمكن أن تصنّفه بالخطأ، عنصرا يحاول تحويل هذه الذخائر إلى عتاد قابل للاستخدام.
وأضاف أنه بينما أنه يمكن للتوعية أن تساعد سكان غزة على تجنب خطر هذه الذخائر، لكن الرسالة لا تعمّم دائما بالسرعة المطلوبة.
وقال "يرى البعض آخرين يقومون بنقلها، ويعتقدون أنهم قادرون على القيام بالأمر ذاته".
وحذّر من أنه يصعب على الأشخاص العاديين معرفة أي من الذخائر ستنفجر في حال تحريكها من مكانها، مؤكدا أن الأمر لا يستحق عناء المخاطرة.
وتابع "الأمر أشبه بمقامرة مع الاحتمالات.. ببساطة إنها لعبة أرقام".