حرب غزة.. مكاسب بالجملة لروسيا وأزمة كبرى للغرب
أكد محللون أن روسيا واحدة من أكثر الدول المستفيدة من الحرب الدائرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في قطاع غزة من وجوه عديدة، أبرزها تشتيت التركيز الغربي على حرب أوكرانيا.
وكذلك انتشار الاستياء بين المزيد من الشعوب من السياسات الغربية تجاه حرب غزة والتغاضي عن مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين في هذه الحرب.
وبحسب نيكيتا سماجين، خبير الشؤون الإيرانية في المجلس الروسي للشؤون الخارجية، فإن هناك بعدا آخر يتمثل في أن "هذه الحرب أقنعت روسيا بصواب سياستها الخارجية خلال السنوات الأخيرة".
وفي تحليل نشرته مؤسسة كارنيغي الأمريكية للسلام الدولي، قال سماجين خبير الشؤون الدولية والكاتب الذي يركز على الشأن الإيراني والسياسة الروسية في الشرق الأوسط، إن "الجولة الحالية من الصراع في الشرق الأوسط هي الأزمة المثالية بالنسبة لروسيا التي تجني من ورائها مجموعة كبيرة من المكاسب السياسية، فالمواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين لم تعزز فقط آمال الكرملين في تغير المزاج العام الدولي تجاه الحرب في أوكرانيا، لكنها تعزز أيضا اقتناعه بأن نظام العلاقات الدولية الذي يمثل الغرب مركزه ينهار".
وكانت حرب أوكرانيا في فبراير/شباط من العام الماضي قد أنهت أغلب الخلافات بين الدول الغربية بشأن التعامل مع روسيا واتحدت أوروبا وأمريكا الشمالية ضد روسيا.
لكن الحرب الفلسطينية الإسرائيلية "أعادت إلى السطح الخلافات بين الدول الغربية، حيث تصر الولايات المتحدة على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، في حين يشهد الاتحاد الأوروبي خلافات واضحة بين دوله بشأن هذه الحرب، حيث تؤيد ألمانيا والنمسا والتشيك إسرائيل بشكل كامل، في حين تعارضها إسبانيا والبرتغال".
وتتبنى فرنسا "موقفا وسطا بين حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحق المدنيين الفلسطينيين في الحماية من الاعتداءات الإسرائيلية، وفي الحصول على المساعدات الإنسانية الضرورية التي تمنع إسرائيل وصولها إليهم".
وفي هذه الأجواء تراجع الاهتمام الغربي بالحرب في أوكرانيا، وتقول الولايات المتحدة إنها ستقدم المساعدات لكل من إسرائيل وأوكرانيا، لكنها في الواقع تواجه صعوبة بالغة في الانخراط في الحربين بشكل كامل في وقت واحد، وتأمل موسكو في أن يتعب الغرب في وقت لاحق من تقديم الدعم المفتوح لأوكرانيا باعتباره لم يكن مبررا أبدا.
في الوقت نفسه فإن الموقف الأمريكي المؤيد لإسرائيل "ينسف الكثير من الأسباب التي يروجها الغرب لدعم أوكرانيا من وجهة الكثير من شعوب الجنوب".
فـ"الحجة الأخلاقية الغربية ضد الهجوم الروسي أصبحت كلمات فارغة من المعنى على الأقل بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط التي ترى دعما أمريكيا مطلقا للاحتلال والهجوم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، في حين تجرم واشنطن الهجوم الروسي لأوكرانيا".
كما أن "صور الدمار ومقتل آلاف الأطفال في غزة وغضب منظمات الإغاثة الإنسانية خلق انطباعا عميقا معاديا للغرب لدى الشعوب في الدول النامية، ويمكن للشعوب أن تتجادل بلا نهاية عن أسباب الحرب في أوكرانيا أو العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، لكن بالنسبة للكثيرين فإن الخلاصة واضحة: الولايات المتحدة التي نددت بروسيا عندما قتلت المدنيين الأبرياء في أوكرانيا، تلتزم الصمت الآن عندما تقوم حليفتها إسرائيل بنفس الشيء ضد المدنيين الأبرياء في غزة".
ويقول سماجين إن "الكرملين منذ وقت طويل يؤمن بفكرة أن العالم لا تحكمه الأخلاق ولا الأيديولوجيات وإنما تحكمه فقط مصالح الدول، وجاءت الحرب الحالية في الشرق الأوسط لكي تعزز هذا الإيمان على أساس أنها دمرت الاستراتيجية الغربية ضد روسيا لأنها كانت تستند إلى فكرة ضرورة رفض العالم غزو دولة لأخرى، واستخدام دولة قوية آلتها العسكرية ضد المدنيين في دولة مجاورة وغير ذلك، لكن الغرب تنكر لكل هذه القيم والمبادئ التي رفعها في مواجهة موسكو عندما تعلق الأمر بإسرائيل. في الوقت نفسه فإن روسيا لا تحتاج إلى تحريك أي ساكن للاستفادة من حرب غزة، فالعملية البرية الإسرائيلية تبدو بلا نهاية قريبة. وعندما تنتهي ستظل القضايا الشائكة كما هي".
ورغم ذلك "لا يمكن القول إن الحرب في غزة لا تمثل أي خطورة بالنسبة لروسيا. فوجود حلفاء إيران في لبنان واليمن على خط المواجهة مع إسرائيل يمكن أن يؤدي إلى اتساع نطاق الصراع وانضمام إيران إليه، وهو ما سيمثل تحديا لروسيا نظرا لعلاقاتها الوثيقة مع طهران".
كما أن "الحرب في غزة يمكن أن تثير بعض الاضطرابات المحلية في روسيا بسبب تأييد شعوب الجمهوريات المسلمة في روسيا للفلسطينيين، وظهور دعوات معادية للسامية بينها وهو ما تتحسب له الحكومة في موسكو وتخشى من تدهور الأمور أكثر من ذلك إذا استمر نزيف الخسائر البشرية الهائلة بين المدنيين الفلسطينيين لفترة طويلة".
وفي ختام التحليل يقول نيكيتا سماجين إن "الصراع في غزة عزز أمل الكرملين في أن تتلاشى الصعوبات التي خلقتها الحرب في أوكرانيا بالنسبة لموسكو. وهذا النهج اختبرته روسيا عدة مرات، وهو أنه حتى إذا لم تكن حرب أوكرانيا تمضي كما هو مخطط له فإن كل مشكلة تجد لنفسها حلا حتى لو لم يكن بتحرك مباشر من جانب روسيا، تماما كما حدث في حرب غزة التي جاءت كهدية من السماء للروس".