جورج عبد الله.. المناضل الذي لم ينكسر: نهاية أطول رحلة سجن سياسي في فرنسا

يحتفي العالم العربي اليوم بخروج جورج عبد الله من السجن بعد 40 عامًا من الاعتقال السياسي، في خطوة ترسم نهاية أطول فصل سجني من نوعه في تاريخ أوروبا المعاصر.
في زمنٍ تتغيّر فيه التحالفات وتُمحى الذاكرة سريعًا، بقي اسم جورج عبد الله محفورًا في الوجدان العربي والفرنسي على حد سواء. مقاتل من أجل فلسطين، ماركسي لبناني، ورمز عالمي للمعتقلين السياسيين، عاش أربعة عقود خلف القضبان الفرنسية دون أن يتنازل عن قناعاته. الآن، وبعد 40 عامًا من الصمت الصلب والمواقف الثابتة، يعود عبد الله إلى وطنه لبنان في 25 يوليو 2025، تاركًا وراءه واحدة من أطول قصص السجن في أوروبا الحديثة.
وأمرت محكمة الاستئناف الفرنسية في باريس بالإفراج عن جورج عبد الله في 25 يوليو الجاري، لتنتهي بذلك أطول فترة سجن سياسي في تاريخ البلاد.
جورج عبد الله، الزعيم السابق لمجموعة مسلحة من المسيحيين اللبنانيين الماركسيين المؤيدين لفلسطين، بات مؤهّلًا للإفراج المشروط منذ 25 عامًا، لكنه ظل خلف القضبان منذ عام 1987، بحسب صحيفة ميدي ليبر الفرنسية.
ويُعد عبد الله (74 عامًا) أحد أبرز رموز النضال اليساري العربي، وقد أُدين بالسجن المؤبد لتورطه في اغتيال دبلوماسيين أمريكي وإسرائيلي في باريس في الثمانينيات. ومع ذلك، ظل يؤكد: "أنا مقاتل، ولست مجرمًا."
ناشط منذ المراهقة
بدأ عبد الله مشواره السياسي في سن الخامسة عشرة، عندما التحق بالحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي كان يدعو إلى إقامة "سوريا الكبرى" وتوحيد أراضي سوريا ولبنان وفلسطين. هذه التجربة المبكرة زرعت فيه روح المقاومة، وفتحت الطريق أمام نضاله من أجل القضية الفلسطينية.
جُرح أثناء القتال ضد إسرائيل
في عامه السابع والعشرين، أصيب عبد الله بجروح خلال الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1978. هذه الحادثة شكّلت نقطة تحوّل جذري في حياته؛ حيث انضم بعدها إلى "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وهي حركة ماركسية ثورية تجمع بين النضال الفلسطيني والموقف المعادي للإمبريالية العالمية.
عشرات الطلبات المرفوضة للإفراج
على مدى سنوات سجنه، تقدم عبد الله بعدة طلبات للإفراج المشروط، جميعها رُفضت باستثناء واحدة في عام 2013، حيث وافقت المحكمة بشرط ترحيله فورًا إلى لبنان. لكن هذه الخطوة لم تُنفذ حينها، وظل معتقلًا رغم أنه بات مؤهلًا للإفراج منذ عام 1999.
محاكمته... وشتائم في قاعة المحكمة
خلال محاكمته، تميز عبد الله بمواقفه الحادة تجاه ممثلي الادعاء والمحكمة، ووُصف بأنه شتم الحاضرين ووصفهم بـ"الخنازير" و"الإمبرياليين القذرين"، مما اضطر القضاة إلى طرده من قاعة المحكمة. لاحقًا، كتب أحد المحامين المشاركين ضده: "ذلك الصارخ في قاعة الجنايات أصبح لاحقًا مفكرًا متزنًا."
دعم واسع من شخصيات بارزة
لم يكن عبد الله وحده في زنزانته طوال هذه السنوات؛ فقد حظي بدعم علني من شخصيات مثل الروائية الحائزة على نوبل آني إرنو، والمرشحة الرئاسية رِما حسن، وزعيم اليسار الفرنسي جان لوك ميلانشون.
وفي 2024، نشرت صحيفة لومانيتيه الفرنسية عريضة موقعة من عشرات الشخصيات العامة تطالب بالإفراج عنه. كما أكّد محاميه في تصريح سابق لوكالة فرانس برس أن عبد الله تلقى "رسائل من معجبين حول العالم"، بينهم مئات يبعثون له برسائل دعم وإعجاب كل عام.
وعودة جورج عبد الله إلى لبنان في صيف 2025 ليست مجرد إفراج عن سجين، بل نهاية لملف شائك في السياسة الفرنسية والعربية، وتأكيد على أن قضايا التحرر لا تموت بمضي الوقت، بل تبقى حيّة ما دام أصحابها يؤمنون بها حتى آخر نفس.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTkg جزيرة ام اند امز