جورجيا ميلوني.. "بائعة الخضار" أول امرأة ترأس حكومة إيطاليا
من العمل في سوق شعبي، ومربية للأطفال، وساقية في حانة إلى أصغر وزيرة ثم التربع على سدة حكم إيطاليا، ومن ثم تحقيق إنجاز استعصى لعقود على اليمين المتطرف.
جورجيا ميلوني (45 عاماً)، زعيمة حزب "إخوة إيطاليا" تدخل التاريخ من أوسع أبوابه، كونها ستصبح أول امرأة ترأس حكومة إيطاليا عبر التاريخ، كما ستصبح أول رئيسة يمينية متطرفة، لرابع أكبر اقتصاد في أوروبا.
طفولة صعبة
ولدت جورجيا ميلوني في روما عام 1977 عاشت طفولة صعبة في ضواحي العاصمة الإيطالية بعد ما تخلى عنها والدها اليساري الذي سافر إلى جزر الكناري، لتترعرع على يد والدتها اليمينية الهوى.
قبل أن تنتقل إلى منطقة غارباتيللا، وهو حي جنوبي تقطنه الطبقة العاملة في روما ويعد تقليديا معقلا لليسار للعيش مع جدتها لوالدتها، لتعمل في سوق بالحي عبر محل صغير لبيع الخضروات ثم انتقلت للعمل كمربية أطفال ومن ثم ساقية في حانة.
نشأة سياسية مبكرة
وعندما بلغت من العمر 15 عاما، انضمت إلى جبهة الشباب، وهو جناح اليافعين في الحركة الاجتماعية الإيطالية الفاشية الجديدة، وأصبحت فيما بعد رئيسة الفرع الطلابي لخليفة الحركة.
عام 1995 أصبحت عضوة في "حزب التحالف الوطني" وهو الحزب ذو التوجه الفاشي، وفي عام 2006، وعن 29 عاما، أصبحت ميلوني أصغر نائب رئيس لمجلس النواب الإيطالي على الإطلاق، بعد ذلك بعامين عيّنت وزيرة للشباب في حكومة سيلفيو برليسكوني.
في الـ32 من عمرها، اندمج حزب برليسكوني مع مجموعة يمين الوسط "فورزا إيطاليا" وتم إنشاء مجموعة جديدة باسم "شعب الحرية"، أصبحت ميلوني رئيسة قسم الشباب فيها.
عام 2012، وبعد انتقادها لبرلسكوني والمطالبة بالتجديد داخل الحزب، انسحبت وأسست حركة سياسية جديدة سميت "إخوة إيطاليا".
وعلى مدى السنوات اللاحقة تبنت مواقف متشددة للغاية من الشذوذ الجنسي والزواج من نفس الجنس والهجرة، ورفعت شعار "الله، الوطن، العائلة" الماثل في أذهان كثيرين ممن عايشوا الحرب العالمية الثانية وتبعاتها.
في الانتخابات العامة السابقة التي جرت في 2018، حصل "إخوّة إيطاليا" على 4% فقط من الأصوات، وشاركوا في ائتلاف محافظ مع حزب ماتيو سالفيني، الذي كان يملك قاعدة شعبية أكبر، و"فورزا إيطاليا" الأكثر اعتدالا بزعامة سيلفيو برليسكوني.
جورجيا ميلوني تدخل التاريخ
منذ الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة في أعقاب سقوط حكومة رئيس الوزراء ماريو دراجي الشهر الماضي، تصدرت ميلوني عناوين الصحف بملاحظاتها المثيرة للجدل.
في يونيو/حزيران الماضي، وخلال مشاركتها في لقاء لحزب "فوكس" اليميني في ماربيا الساحلية الإسبانية، ألقت خطابا حماسيا حذرت فيه من مخاطر الهجرة والمثلية الجنسية "نعم للعائلة الطبيعية، نعم للهوية الجنسية، لا للأيديولوجية الجندرية، نعم لثقافة الحياة، لا لثقافة الموت".
لاحقا، بدأت حملة على مواقع التواصل التابعة لها للترويج لسياساتها الداخلية والأوروبية، حيث نشرت قبل نحو أسبوعين رسائل فيديو باللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية تقول إن حزبها لن يهدد الاستقرار المالي لإيطاليا، وإنهم سيلتزمون بتحالفات روما التقليدية، "إيطاليا بحاجة إلى حكومة موحدة وواضحة.. تعزز الاستثمارات والنمو في بلدنا".
وفي إطار دفع الشبهات السلطوية عن حزبها قالت "نحن نعارض بشدة أي انحراف مناهض للديمقراطية بكلمات حازمة لا نجدها بشكل دائم في اليسار الإيطالي والأوروبي".
ومع إجراء الانتخابات، فرَضَ حزب ميلوني نفسه بديلا رئيسيا بعد أن بقي في صفوف المعارضة في كل الحكومات المتعاقبة منذ الانتخابات التشريعية في 2018، وانتقلت حصته من الأصوات من 4,3% قبل أربع سنوات إلى حوالي ربع الأصوات (بين 22 و26%)، وفق استطلاعات الخروج من مكاتب الاقتراع الأحد، ليُصبح بذلك الحزب المتصدر في البلاد.
والتحالف الذي يُشكّله الحزب مع كل من الرابطة اليمينية المتطرفة بقيادة ماتيو سالفيني وحزب فورزا إيطاليا المحافظ بقيادة سيلفيو برلسكوني، يُتوّقع أن يفوز بما يصل إلى 47% من الأصوات. ومع اللعبة المعقدة للدوائر الانتخابية، يُفترض أن يضمن هذا التحالف لنفسه غالبية المقاعد في مجلسي النواب والشيوخ.
وإذا ما تأكدت هذه النتائج، فإن حزب فراتيلي ديتاليا والرابطة سيكونان قد حصلا معا على "أعلى نسبة من الأصوات التي سجلتها أحزاب اليمين المتطرف على الإطلاق في تاريخ أوروبا الغربية منذ عام 1945 إلى اليوم"، بحسب المركز الإيطالي للدراسات الانتخابية.
وسيشكل ذلك زلزالا حقيقيا في إيطاليا، إحدى الدول المؤسسة لأوروبا وثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو، إنما كذلك في الاتحاد الأوروبي الذي سيضطر إلى التعامل مع السياسيّة المقربة من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.
سأترأس الحكومة
ومع ظهور المؤشرات، أعلنت جورجيا ميلوني أنها ستقود الحكومة المقبلة.
وفي خطاب مقتضب في روما، قالت ميلوني إن "الإيطاليين بعثوا رسالة واضحة لدعم حكومة يمينية بقيادة فراتيلي ديتاليا"، واعدة "بأننا سنحكم لجميع" الإيطاليين.
ودعت إلى الوحدة للمساعدة في مواجهة مشاكل البلاد العديدة، قائلة: "إذا تم استدعاؤنا لحكم هذا الشعب فسوف نفعل ذلك من أجل جميع الإيطاليين بهدف توحيد الشعب وتمجيد ما يوحده وليس ما يفرقه. لن نخون ثقتكم".
الحزب الديمقراطي يقر بالهزيمة
واعترف الحزب الديمقراطي، الذي يمثل يسار الوسط بإيطاليا، في ساعة مبكرة من صباح الإثنين بهزيمته في الانتخابات العامة وقال إنه سيكون أكبر قوة معارضة في البرلمان المقبل.
وقالت ديبورا سيراتشياني، البرلمانية البارزة في الحزب الديمقراطي، للصحفيين في أول تعليق رسمي للحزب على النتيجة "هذه أمسية حزينة للبلاد" (اليمين) له الأغلبية في البرلمان لكن ليس في البلاد".
وتعرض الحزب الذي كان يحكم سابقا مع تحالفه اليساري للإطاحة خلال الانتخابات من قبل الكتلة اليمينية بقيادة جورجيا ميلوني وحزبها "إخوة إيطاليا".
وتشير التوقعات الأولية إلى أن الحزب الديمقراطي حصل على نسبة 20% تقريبا من الأصوات، والتي ستكون أعلى قليلا مما حصل عليه في انتخابات 2018.
ما أسباب الصعود السريع؟
ووفق محللين، حصد حزب "إخوّة إيطاليا" الكثير من أصوات ناخبي "الرابطة" بقيادة ماتيو سالفيني، الذين ضاقوا ذرعا بسياساته والهزائم السياسية المتكررة التي مني بها، فضلا عن تبني الحزبين لبرامج متشابهة للغاية تستهدف نفس الناخبين.
وتعقيبا على ذلك، قال دافيد ماريا دي لوكا، المراسل السياسي في صحيفة "دوماني" التقدمية "إنهم يتفقون على كل شيء تقريبا: وقف الهجرة، تجنب دفع الضرائب، مساعدة كبار السن... لذلك من الطبيعي أنه عندما تنخفض شعبية سالفيني، ترتفع أسهم ميلوني" لدى الناخبين.
وفي حين تتداخل بنود برنامج ميلوني مع برنامج "الرابطة" إلى حد كبير، خاصة عندما يتعلق الأمر بالهجرة، "الحدود المغلقة والحصار البحري لمنع طالبي اللجوء من الوصول إلى البلاد"، إلا أن ميلوني لم تبرز تلك القضية على أنها الأساسية ببرنامجها كما فعل سالفيني، بل راحت إلى اعتماد مفهوم "القيم المسيحية" كمحور أساسي يقوم عليه برنامجها.
أيضا، لم تخض ميلوني جدالات مع البابا ولم تهاجمه، كما فعل سالفيني، كونه أحد أكثر الشخصيات احتراما وحبا في البلاد، ولما يمثله بالنسبة للغالبية العظمى من الكاثوليكيين الإيطاليين.
aXA6IDMuMTMzLjE1MS45MCA=
جزيرة ام اند امز