كورونا يضع ألمانيا بين نارين
البلد الذي تفوق على أقرانه الأوروبيين في مقاومة كورونا لا يريد أن يفلت حبل الوباء
وجدت ألمانيا نفسها بين نارين في حربها مع فيروس كورونا؛ فإما أن تخفف من القيود المفروضة على الحياة الاجتماعية وإما أن تمددها وتشددها في الآن نفسه.
لكن واحدا من هذه القرارات، قد تكون له نتائج لا تحمد عقباها، فالبلد الذي تفوق على أقرانه الأوروبيين في مقاومة كورونا، لا يريد أن يفلت حبل الوباء.
وفي هذا السياق، بدأ ساسة بارزون في ألمانيا مناقشة احتمال تخفيف القيود المفروضة لمكافحة تفشي جائحة كورونا العالمية قبل يومين من اجتماع مع المستشارة أنجيلا ميركل.
وتجري المستشارة الألمانية، بعد غد الأربعاء، محادثات مع رؤساء حكومات الولايات؛ لبحث مصير إجراءات التقييد عقب 19 أبريل/نيسان.
وفي سياق الدعوات لتخفيف القيود المفروضة، جاءت دعوة رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني أنيجريت كرامب-كارنباور.
وقالت زعيمة الحزب المنتمية إليه المستشارة ميركل: "من المهم أن تكون لدينا قواعد موحدة. أي شيء بخلاف ذلك سيثير المزيد من التساؤلات".
كرامب-كارنباور، التي تشغل منصب وزيرة الدفاع، لفتت إلى وجود توافق قوي بين الولايات الألمانية على طرح خطة شاملة، بالتعاون مع الحكومة الاتحادية بشأن خطوات الخروج التدريجي من الأزمة.
لكنها أوضحت أن هذه الخطة تتوقف على تطورات أعداد الإصابة بفيروس كورونا المستجد خلال عطلة عيد القيامة.
واجتماع الأربعاء سيتناول مقترحا من 15 صفحة، وهو بالأساس ورقة بحثية أعدها مجموعة من الخبراء والقانونيين والعلماء، يحمل عنوان "طريق إلى الحياة الطبيعية المسؤولة"، وقدمه رئيس وزراء ولاية شمال الراين ويستفاليا، أرمين لاشيت.
ويعد لاشيت أهم شخص في حكام الولايات الـ16، وأبرز مرشح لخلافة ميركل في رئاسة الحزب الحاكم ومنصب مستشار البلاد، لذلك تكتسب الورقة البحثية قوة كبيرة.
وأعد الورقة 12 خبيرا وعالما من المعروفين على المستويين الوطني والأوروبي، وأبرزهم القاضي السابق في المحكمة الدستورية الفيدرالية أودو دي فابيو، وعالم الفيروسات البارز هندريك ستريك، ورئيس مجلس الأخلاقيات الأوروبي كريستيان ووبين، والرئيس السابق لمركز الممارسات الاقتصادية كريستوف شميدت.
ووفق صحيفة دي فيلت الألمانية "خاصة"، أرسل لاشيت الورقة بالفعل إلى كل حكام ولايات البلاد، ولميركل أيضا، استعدادا لاجتماع الأربعاء المقبل.
وتقترح الورقة "عودة تدريجية وحذرة للحياة الطبيعية، مع اشتراط توافر آليات تقييم المخاطر، ومعايير حماية عالية كشرط مسبق".
كما جاء فيها "يجب أن نحرك إجراءات العودة للحياة الطبيعية بشكل مرن من أجل إبقاء الآثار السلبية المختلفة لهذا التحرك في أدنى مستوى ممكن".
وأضافت: "الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والصحية الناجمة عن الإغلاق خطيرة للغاية، والتضامن الاجتماعي الحالي مع الإجراءات الاحترازية، يمكن أن يتحول إلى استقطاب في أي وقت بين قطاع يؤيدها وآخر لا يوافق على استمرارها".
وبحسب الورقة، "العودة للحياة الطبيعية يجب أن تكون عملية مستمرة، لا تستند إلى جدول زمني ثابت أو تحركات جامدة، بل تكون تدريجية وتستند للتعلم الذاتي والمستمر من الأخطاء".
كما أشارت إلى أن "هناك إمكانية لعودة الدراسة وحضانات الأطفال، لكن بشكل محدود، وتُراعى إجراءات السلامة من مسافات آمنة وغيرها".
وشددت على حظر الزيارات لكبار السن، وهم الفئة الأكثر عرضة لأضرار فيروس كورونا المستجد، وضرورة عودة الأنشطة الاقتصادية في أقرب وقت ممكن مع تحمل المديرين والمالكين المسؤولية الاجتماعية في هذا الإطار.
كما بينت أنه إذا كانت هناك ضمانات واضحة لتوافر تدابير الحماية مثل المسافات الآمنة والكمامات والنظافة العامة، يمكن أن تفتح المتاجر أبوابها، والأمر نفسه ينطبق أيضا على المطاعم؛ في حال ضمنت وضع مسافات كافية بين طاولات الطعام والسماح لعدد محدود من الناس بالوجود في المطعم.
من ناحية أخرى، ترى الورقة أن فتح المسارح والسينمات وملاعب كرة القدم والمعارض التجارية للجمهور لن يكون ممكنا في المستقبل المنظور، وتؤكد ضرورة تبني تعريف جديد للتعاملات الاجتماعية والتقارب بين الناس، يمنع المصافحة والعناق، ويسمح بوجود مسافات آمنة بين الناس، مضيفة: "سوف نستعيد حريتنا ببطء".
ولا تستبعد حدوث نكسات إذا ارتفع عدد الإصابات مرة أخرى، وذكرت: "يمكن أن تحدث موجات انتشار جديدة للمرض على نطاق أصغر، وربما أكبر، وعندها يجب أن نتدخل بسرعة ونحاصر الموجة في نطاقها بشكل صارم".
وكانت الحكومة الاتحادية والولايات قررت، في 22 مارس/آذار، فرض قيود على حرية الحركة لمدة أسبوعين، قبل أن تمددها لما بعد عيد القيامة حتى 19 من الشهر الجاري.
في المقابل، كشف استطلاع للرأي أن غالبية الألمان يعارضون تخفيف القيود المفروضة على الاختلاط الاجتماعي لمكافحة جائحة كورونا.
وأظهر الاستطلاع، الذي أجراه معهد "يوجوف" لقياس مؤشرات الرأي بتكليف من وكالة الأنباء الألمانية، أن 44% من المواطنين يدعون إلى تمديد القيود لما بعد التاريخ المذكور، كما يطالب 12% آخرون بتشديدها.
بينما دعا 32% فقط من الألمان إلى تخفيف القيود، وطالب 8% بإلغائها، فيما لم يحدد 5% موقفهم.
ويأتي النقاش حول تخفيف القيود مع تراجع أعداد حالات الإصابة والوفاة الجديدة في ألمانيا، التي قاومت الجائحة بشكل أفضل من دول أوروبية أخرى مجاورة مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا.
لكن اقتصاد ألمانيا المعتمد على التصدير تضرر، ومن المتوقع أن ينكمش بنسبة 9.8% في الربع الثاني من العام، وهو أكبر معدل منذ بدء تسجيل هذه المعدلات في 1970.
aXA6IDMuMTIuMzQuMTUwIA== جزيرة ام اند امز