ألمانيا تتخلى عن «الطريق الاقتصادي الفريد».. إنفاق أعلى يصطدم بإرث التقشف

أنهى البرلمان الألماني قبل أيام، سياسة اقتصادية التزمها طويلا وتعرف بـ"الطريق الاقتصادي الفريد" أو الـ "Sonderweg".
والثلاثاء صوت ثلثا الأعضاء لصالح تغيير بعيد المدى في الدستور المالي يتيح تطبيق بعض الاستثناءات على قاعدة "مكابح الديون" - القاعدة المالية التي تم اعتمادها دستوريًا في ألمانيا.
ومن الآن فصاعدًا، سيتم استثناء النفقات الدفاعية التي تتجاوز 1% من الناتج المحلي الإجمالي من سقف العجز؛ كما يمكن تمويل نفقات البنية التحتية والمناخ من صندوق خاص مستثنى أيضًا من "مكابح الديون"، وستحصل الولايات أيضًا على مساحة مالية إضافية.
واعتبر تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي إنه من الناحية المالية، تعد الخطوة أمرًا رائعًا، اذ سيُسمح أخيرًا للحكومة الفيدرالية بتصحيح الأخطاء المالية التي ارتكبت على مدار الأربعين عامًا الماضية، بما في ذلك ضعف الاستثمار بشكل غير عادي، واستخدام الميزانية الدفاعية كصندوق ادخار لتحقيق التوازن المالي.
مخاطر من متاهة القواعد والاستثناءات
لكن الاتفاق المعقد هو أيضًا الحل الألماني الأكثر تعقيدًا لمشكلة التقشف المفروضة ذاتيًا. فمنذ عام 2009، حدت "مكابح الديون" الدستورية من العجز "الهيكلي" - أي الاقتراض الدائم للبلاد - ليصل إلى 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي. إلا إذا كانت أسعار الفائدة منخفضة بشكل استثنائي، فإن هذا يتطلب فائضًا أوليًا - أي يجب على الحكومة توفير المال قبل احتساب مدفوعات الفوائد.
والبلاد الآن تحاول الخروج من هذا القيد المالي. لكن بدلاً من إجراء إصلاح معقول لمكابح الديون، اختار المسؤولون التفاوض على حزمة مالية معقدة ثم دمجها مباشرة في الدستور الألماني. ونصوص الحزمة هي اتفاق سياسي مدروس بعناية، اذ تتضمن الحزمة العديد من القواعد الفرعية التي تكبر وتصغر المساحة المالية وفقًا لأولويات السياسيين المعنيين.
على سبيل المثال، يتم تضمين المساعدات لأوكرانيا ضمن الاستثناء للنفقات الدفاعية، مما يوفر مساحة مالية إضافية. من ناحية أخرى، يمكن تحويل الإنفاق على البنية التحتية إلى الصندوق الخاص فقط عندما تتجاوز النفقات الاستثمارية (باستثناء القروض والحصص المالية) 10% من الميزانية الأساسية.
وقال التقرير إنه من الصعب تصور أن الفوضى الناتجة التي تشكل الآن الإطار المالي الألماني ستستمر. وسيكون من شبه المستحيل التحقق من الامتثال، وهناك فرص كبيرة لتجاوز النظام. فبدلاً من التركيز على النمو - المشكلة الكبرى الفعلية لألمانيا - والإنفاق الفعال، سيصبح خبراء الميزانية منكبون على كيفية التنقل بشكل أفضل بين متاهة القواعد، الاستثناءات، والصناديق الخاصة.
القواعد الأوروبية
وتضيف أوروبا طبقة أخرى من التعقيد، ففي المستقبل، من المرجح أن يقيد اتفاق الاستقرار والنمو في الاتحاد الأوروبي الإنفاق العام في ألمانيا. ومنذ إصلاحه في عام 2024، حدد الاتفاق مسارًا للإنفاق بناءً على توقع لنسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي على مدار 14 إلى 17 عامًا، مما يتكامل مع تدابير تقليص العجز التي أصرّت الحكومة الألمانية على تضمينها.
والنتيجة هي أنه، وفقًا لاتفاق الاستقرار والنمو، ستضطر ألمانيا إلى تقليص عجزها كل عام. لكنها قد مررت الآن قانونًا يعكس هذا تمامًا - مما يضمن أن العجز السنوي سيزيد.
وفي المستقبل، من شبه المؤكد أن المتطلبات الأوروبية - التي كانت ألمانيا نفسها هي من طالبت بها - ستكون أكثر صرامة من تلك الألمانية. وضمان الامتثال للقواعد الأوروبية ليس أمرًا تافهًا، حيث تشمل الإنفاق على المستويات الفيدرالية، والولايات، والمحلية. وبالتالي، ستكون هناك حاجة إلى قواعد إضافية لتقسيم النفقات المسموح بها بين المستويات الثلاثة للحكومة.
سيناريوهات
وفي المستقبل، يبدو سيناريوهان هما الأكثر احتمالًا: إما أن تفقد القواعد الألمانية أهميتها تماما ليتم تجاهلها، أو سيتم إصلاحها.
وهناك احتمال أكثر إيجابية: قد توافق الحكومة على أن القواعد الفوضوية الناتجة عن جراحة مالية طارئة هذا الشهر تحتاج إلى تنظيف. وهناك طريقة مباشرة لإصلاح الإطار المالي بشكل مستدام - عن طريق استبدال مجموعة القواعد المعقدة التي تشكل الآن مكابح الديون بالالتزام البسيط بالامتثال لاتفاقية الاستقرار والنمو الأوروبية.
aXA6IDEzLjU4LjIxNC44MiA= جزيرة ام اند امز