البرلمان الألماني يمرر قانونا تاريخيا يرفع سقف الاستدانة

مرّر البرلمان الألماني، اليوم الثلاثاء، مشروع قانون تاريخيا يسمح بمستوى قياسي من اقتراض الدولة لتمويل الدفاع والبنية التحتية، من خلال تعديل القواعد المالية المقررة دستوريًا في البلاد.
تم تمرير القانون في البرلمان بـ513 صوتا لصالحه، متجاوزًا العدد المطلوب البالغ 489 صوتًا.
لا يزال القانون بحاجة إلى موافقة أغلبية الثلثين في "البوندسرات"، المجلس الأعلى في ألمانيا الذي يمثل ولايات البلاد، ليصبح قانونًا نافذًا.
تصويت حاسم في البوندستاغ
جاء التصويت الحاسم في "البوندستاغ" بعد أسابيع من النقاش، الذي بدأ عندما كشف الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بقيادة فريدريش ميرتس، وشركاؤه المحتملون من الحزب الاجتماعي الديمقراطي (SPD) عن خطط لإطلاق مئات المليارات من الإنفاق عبر تخفيف "مكابح الديون" المقرّر دستوريًا في ألمانيا.
ومن المتوقع أن يغير القانون بشكل جذري علاقة ألمانيا بالديون الحكومية، مما قد يسمح لها، وفقًا لمؤلفي الخطة، بتولي دور قيادي أقوى في لحظة حاسمة لأوروبا.
الخطة
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، فإن الخطة يقودها فريدريش ميرتس، المرشح المحتمل لمنصب المستشار، لتخفيف ما يُعرف بـ"مكابح الديون"، وهو حدٌّ على الاقتراض الحكومي تم تضمينه في الدستور الألماني.
وقد أدّت هذه المكابح إلى خفض ديون ألمانيا، لكنها أيضًا منعت الحكومة من الاستثمار في الطرق والبنية التحتية الرقمية والجسور والتجهيزات العسكرية. ويرى المشرّعون أن زيادة الإنفاق أصبحت ضرورية الآن لمواجهة تناقص تنافسية ألمانيا وانخفاض ضمانات الأمن الأمريكية.
مكابح الديون وتأثيرها على ألمانيا
مثل معظم الدول الغنية، تقترض ألمانيا المال لدعم ميزانيتها الفيدرالية السنوية. لكن، على عكس بعض الدول الأخرى، وأبرزها الولايات المتحدة، فإن ألمانيا تمتلك دستورا يحدّ من اقتراضها السنوي بنسبة 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، فقد سُمح باستثناءات خلال فترات الركود الاقتصادي أو الكوارث الطبيعية.
وفي السنوات الأخيرة، صوت المشرّعون الألمان على تجاوز حدود مكابح الديون باستخدام صناديق مالية خاصة، مثل الإنفاق الطارئ على جائحة كوفيد-19 في عام 2020، والزيادة الأخيرة في الإنفاق العسكري. لكن، بشكل عام، ظلّت مكابح الديون تقيّد الاقتراض الحكومي.
خلفية تاريخية لمكباح الديون
عندما تم إدخال مكابح الديون في 2009، كانت ألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا تمتلك مستويات متشابهة من الديون كنسبة من اقتصاداتها. لكن منذ ذلك الحين، ارتفعت هذه النسبة في بريطانيا وأمريكا، في حين انخفضت في ألمانيا.
وقد أُضيفت مكابح الديون إلى الدستور الألماني بعد أزمة المال العالمية عام 2008، حيث زاد عجز الموازنة الألمانية بشكل كبير. لكن معارضة الاقتراض تعود إلى ما قبل هذه الأزمة، إذ إن ألمانيا اقترضت بكثافة لتمويل إعادة توحيدها بين الشرق والغرب في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وهو ما ترك آثارًا اقتصادية مختلطة.
وعلى نحو أكثر شهرة، أسهمت الديون الحكومية المرتفعة في التضخم المفرط خلال حقبة جمهورية فايمار في العشرينيات من القرن الماضي، وهو ما مهد الطريق لصعود أدولف هتلر.
التأثيرات الاقتصادية والتغيير المرتقب
لم تقتصر مكابح الديون على تقليل الاقتراض، بل يرى منتقدوها أنها قيّدت قدرة ألمانيا على تحفيز اقتصادها، والاستثمار في مستقبلها، وتعزيز دورها في الأمن الأوروبي.
وتراجع الإنفاق الألماني بشكل ملحوظ عن الاحتياجات المطلوبة لتحديث شبكات النقل، ورقمنة الخدمات العامة، والاستثمارات الأساسية الأخرى التي تعزز التنافسية العالمية.
وصرّح مارسل فراستشر، رئيس معهد البحوث الاقتصادية الألماني، بأن الاستثمار العام الصافي في ألمانيا كان سلبيًا خلال الـ25 عامًا الماضية، مما أعاق النمو الاقتصادي.
كما أدّت مكابح الديون إلى تقليص الإنفاق العسكري الألماني لعقود، بناءً على الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستواصل حماية ألمانيا كما فعلت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ولكن، مع استمرار انكماش الاقتصاد الألماني وتهديد الرئيس دونالد ترامب بتقليص أو إلغاء الدور الأمريكي في الدفاع الأوروبي، أصبح من الضروري إعادة النظر في مكابح الديون.
حتى المسؤولون في البنك المركزي الألماني (البوندسبنك) أقروا بضرورة تعديل مكابح الديون لتحرير الأموال اللازمة للاستثمار في النمو الاقتصادي.
التغييرات المتوقعة
ووفقًا لـ"نيويورك تايمز"، فإن الاتفاق الذي توصل إليه ميرتس مع حزب الخضر والحزب الديمقراطي الاجتماعي ينصّ على استثناء الإنفاق الدفاعي الذي يتجاوز 1% من الناتج المحلي الإجمالي من قيود مكابح الديون.
وسيتم تعريف "الإنفاق الدفاعي" بشكل موسّع ليشمل:
- الاستخبارات الداخلية.
- المساعدات للحلفاء.
- الإنفاق العسكري التقليدي.
وبهذا، سيتمكّن المشرّعون الألمان من الاقتراض دون قيود لتمويل هذه البنود، ما دام السوق يسمح بذلك.
كما وافق ميرتس على إنشاء صندوق بنية تحتية جديد بقيمة 500 مليار يورو (أي ما يعادل 550 مليار دولار) يمتد على مدى 12 عامًا، خارج حدود مكابح الديون، منها 100 مليار يورو مخصصة لمشاريع مكافحة تغير المناخ.
aXA6IDE4LjE5MS40MS4yOSA= جزيرة ام اند امز