السلطة وشولتز وبوتين.. ماذا يعني تسونامي «أقصى اليمين» بألمانيا؟
بعد محطات عدة، وصل تسونامي "أقصى اليمين" في أوروبا إلى شواطئ السياسة الألمانية، ما يهدد بزعزعة النظام السياسي المستمر منذ 1945.
إذ حقق "أقصى اليمين" في ألمانيا أكبر نجاح انتخابي له منذ الحرب العالمية الثانية.
واعتلى حزب "البديل لأجل ألمانيا" المعروف بلونه الأزرق، المرتبة الأولى في انتخابات ولاية "تورينغن"، فيما خسر الصدارة بفارق طفيف للغاية في ساكسونيا، وهما مقاطعتان من مقاطعات جمهورية ألمانيا الديموقراطية (الشرقية) السابقة.
فيما احتل حزب يساري شعبوي جديد، وهو حزب سارة فاجينكنيشت (BSW)، يُتهم بأنه "قريب من موسكو"، المركز الثالث في كلتا الولايتين.
ويمثل انتصار حزب "البديل من أجل ألمانيا" المناهض للهجرة - في منطقة كانت تحت السيطرة الشيوعية أثناء الحرب الباردة - ضربة قوية للمركز السياسي في ألمانيا وخاصة للأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحاكم بقيادة المستشار أولاف شولتز، والتي عانت من خسائر كبيرة.
وقالت أليس فايدل، إحدى القيادات الوطنية لحزب البديل من أجل ألمانيا: "بالنسبة لنا، إنه نجاح تاريخي".
ضربة أخرى لشولتز؟
ووفق ما طالعته "العين الإخبارية" في "بوليتيكو"، من المرجح أن يُنظر إلى صعود الأحزاب على طرفي الطيف السياسي باعتباره ضربة أخرى لحكومة شولتز الائتلافية الضعيفة بالفعل.
وتكبدت الأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحاكم ــ الحزب الديمقراطي الاجتماعي اليساري الوسطي الذي ينتمي إليه شولتز، والخضر، والحزب الديمقراطي الحر المحافظ مالياً ــ خسائر كبيرة في الانتخابات التي جرت يوم الأحد.
ففي تورينغن على سبيل المثال، خرج الخضر والحزب الديمقراطي الحر من برلمان الولاية بعد فشلهما في تلبية الحد الأدنى المطلوب للفوز بمقاعد.
وعلى الرغم من أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي خسر قدراً أقل في الأصوات، إلا أن نتيجته كانت بائسة، إذ خسر الحزب بالفعل قدراً كبيراً من أهميته في شرق ألمانيا.
وقال كيفن كونيرت، الأمين العام للحزب: "بالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، هذه ليست أمسية للاحتفال".
أما على الجانب المنتصر، أسعدت النتيجة بيورن هوكه، زعيم حزب البديل لألمانيا في تورينغيا، والذي يعتبر واحدا من أكثر السياسيين تطرفا في الحزب، بعد أن أدانته محكمة ألمانية مرتين باستخدام الخطاب النازي عمدا.
وقال هوكه في تصريح على شاشة التلفزيون العام عن النتيجة: "أنا أكثر من سعيد"، وأضاف "النتيجة تملأني بالفخر والرضا".
لمن السلطة؟
ولكن على الرغم من الأداء القوي لحزب البديل من أجل ألمانيا، إلا أنه من غير المرجح أن يتولى الحزب السلطة في ولاية تورينغن.
إذ رفضت جميع الأحزاب الأخرى التي فازت بمقاعد في برلمانات الولايات في السابق، الحكم في ائتلاف مع "البديل من أجل ألمانيا".
لكن ستحدد الفترة المقبلة ما إذا كان أحد الأحزاب سيتراجع عن قراره أم لا.
ونظراً للمشهد السياسي المنقسم في كل من الولايتين، فمن المرجح أن يلعب حزب ساره فاجينكنيشت دوراً حاسماً في تشكيل الائتلافات في برلماني الولايتين، وفق بوليتيكو.
وعلى أرض الواقع، قد تستغرق عملية بناء الائتلاف أسابيع أو أشهرا، نظراً للحسابات الانتخابية المعقدة، وربما تؤدي إلى تحالفات سياسية غريبة، حيث من المحتمل أن يجد المحافظون الوسطيون أنفسهم يحكمون مع حزب يساري شعبوي.
وفي هذا الحالة، سيمتلك حزب البديل من أجل ألمانيا، أكثر من ثلث المقاعد، أي الثلث المعرقل، مما يسمح له بعرقلة قرارات معينة مثل تعيين قضاة في المحكمة الدستورية للولاية.
"نعمة لبوتين"
ووفق "بوليتيكو"، ربما تصبح النتيجة بمثابة نعمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ يؤيد كل من حزب البديل من أجل ألمانيا وحزب سارة فاجينكنيشت إقامة علاقات أوثق مع الكرملين، ويريدان وقف المساعدات العسكرية الألمانية لأوكرانيا.
وقالت فاجينكنيشت للقناة الأولى بالتلفزيون الألماني بعد التصويت: "نريد أن تنتهي الحرب في أوكرانيا ولا نرى ذلك يحدث مع تسليم المزيد والمزيد من الأسلحة".
رغم التحذيرات
وارتفع الدعم لحزب البديل من أجل ألمانيا حتى بعد أن صنفت وكالات الاستخبارات المحلية في تورينغن وساكسونيا، الفروع المحلية للحزب على أنها منظمات متطرفة تهدف إلى تقويض الديمقراطية الألمانية.
وبحسب بوليتيكو، تشير حقيقة أن ما يقرب من واحد من كل ثلاثة ناخبين في كلتا الولايتين أيّد حزب البديل، على الرغم من التحذيرات الرسمية، إلى انعدام الثقة العامة على نطاق واسع في الأحزاب والمؤسسات السائدة في شرق ألمانيا.
وتُظهِر استطلاعات الرأي أن حزب البديل من أجل ألمانيا يتقدم أيضًا في ولاية براندنبورغ الشرقية، حيث يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في 22 سبتمبر/أيلول.
"مخاوف الهجرة"
وأظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات، أن الهجرة كانت إحدى القضايا التي أزعجت الناخبين، إذ ذكرها المشاركون في تورينغن وساكسونيا باعتبارها من بين أكبر ثلاثة مخاوف لديهم إلى جانب الجريمة و"الحماية الاجتماعية".
ووفقًا لاستطلاع رأي للتلفزيون العام الألماني، وافق 81% من الناخبين على العبارة التالية: "نحن بحاجة إلى سياسة لجوء ولاجئين مختلفة تمامًا حتى يأتي إلينا عدد أقل من الناس".
بالإضافة إلى ذلك، جاءت عملية التصويت، يوم الأحد، في أعقاب هجوم قاتل بسكين وقع قبل عدة أيام في مدينة زولينغن بغرب ألمانيا، والذي أعاد تنشيط نقاش وطني مشحون بشأن الهجرة والجريمة.
ويُتهم المشتبه به، وهو لاجئ سوري يشتبه في كونه عضوًا في تنظيم "داعش" الإرهابي، بقتل ثلاثة أشخاص وإصابة العديد من الأشخاص الآخرين، في الهجوم، ما فاقم موقف الناخبين في ملف الهجرة.