لا تعويضات ولا "شفاء جروح".. ألمانيا تعترف بأول إبادة في القرن العشرين
75 ألف قتيل، و100 عام من المعاناة، يقابلها 6 سنوات من المفاوضات، وشد وجذب حول مصطلحات مثل "التعويضات"، و"ِشفاء الجروح".
هذه العبارات القصيرة تلخص قرنا كاملا، فصل بين إبادة جماعية دموية في ناميبيا، واعتراف ألمانيا؛ سلطة الاحتلال السابقة، بمسؤوليتها في 2021.
واعترفت ألمانيا، الجمعة، للمرة الأولى في تاريخها، بأنّها ارتكبت "إبادة جماعية" ضدّ شعبي هيريرو وناما في ناميبيا خلال استعمارها البلاد، وتعهدت بمساعدات تنموية لها تزيد عن مليار يورو.
وفي بيان، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس: "اعتباراً من اليوم، سنصنف رسميا هذه الحوادث بما هي عليه في منظور اليوم: إبادة جماعية".
ورحب ماس في البيان بتوصل ألمانيا وناميبيا إلى "اتفاق" بعد مفاوضات شاقّة استمرت 6 سنوات، ودارت حول الوقائع الدموية التي جرت في البلد الواقع في جنوب أفريقيا بين عامي 1884 و1915.
وتتركز الواقع الدموية في الفترة التي تلت عام 1904، حين ثار شعب هيريرو ضد المستوطنين الألمان بعد حرمانهم من أراضيهم وماشيتهم، في تمرد قتل خلاله حوالي 100 مستوطن، فيما عهدت برلين للجنرال الألماني لوثار فون تروثا، بمهمة إخماد التمرد.
وأسفرت المذابح بين عامي 1904 و1908 عن مقتل ما لا يقل عن 65 ألفا من أصل 80 ألفا من أبناء شعب هيريرو وحوالي 10 آلاف من أصل 20 ألفا من أبناء شعب ناما.
ولجأت القوات الألمانية لارتكاب مذابح جماعية ونفي متمردين إلى الصحراء، حيث مات آلاف الرجال والنساء والأطفال عطشا، وإقامة معسكرات اعتقال أشهرها معسكر "جزيرة القرش".
وقال بيان وزير الخارجية الألماني اليوم، "كبادرة تقدير للمعاناة التي لا حد لها التي لحقت بالضحايا، نريد دعم ناميبيا وأحفاد الضحايا ببرنامج كبير بقيمة 1.1 مليار يورو لإعادة الإعمار والتنمية"، مضيفا "تريد ألمانيا أيضًا أن تطلب رسميًا العفو عن الجرائم".
ووفق صحيفة بيلد الألمانية، فإن البيان الألماني كان محصلة 6 سنوات من التفاوض الشاق بين البلدين، تخللها خلافات توقفت أحيانا عند مصطلحات بعينها.
وفي الاتفاقية النهائية بين البلدين، أقرت الحكومة الفيدرالية بتصنيف قتل عشرات الآلاف من الأشخاص في المستعمرة السابقة، على أنه إبادة جماعية من منظور اليوم.
ووفق بيلد، فإن الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير سيقدم في وقت لاحق، طلبا رسميا للعفو عن ألمانيا، في حفل في البرلمان الناميبي.
فيما تهدف المخصصات المالية المقدرة بـ1.1 مليار يورو، لدعم المشاريع في منطقتي هيريرو وناما على مدى 30 عامًا.
ومن المقرر أن تنفق الأموال الألمانية في مشاريع إصلاح الأراضي الزراعة والبنية التحتية الريفية وإمدادات المياه وكذلك التدريب المهني.
ورغم هذا الاعتراف والدعم، رفضت الحكومة الألمانية في الاتفاق أي مطالبات قانونية لاحقة بالتعويض من قبل نامبيا أو عائلات الضحايا، وذكرت فقط أن دعما يأتي من منطلق التزام سياسي وأخلاقي.
وخلال السنوات الماضية، جرت المفاوضات بمشاركة ممثلي ألمانيا وناميبيا، وممثلي شعبي هيريرو وناما، وأصدر هيرو وناما بيانات متكررة خلال المفاوضات تصف الموقف الألماني بأنه "مجرد مناورة علاقات عامة وخداع".
كما تعطلت المفاوضات سنوات بسبب مطالبة شعبي هيريرو وناما باعتراف برلين بحقهم في التعويض عن "الإبادة الجماعية" والقمع الاستعماري.
وفي النهاية، وافقت ألمانيا على اعتذار غير مشروط لناميبيا وشعبها والضحايا، ورفضت استخدام مصطلح "تعويضات".
فيما رفضت ناميبيا استخدام ألمانيا مصطلح "شفاء الجروح" في بيان الاعتراف، لأنه غير ملائم في جريمة إبادة جماعية.
وانطلاقا من عام 1884، استولت ألمانيا على مستعمرات في أفريقيا وأوقيانوسيا وشرق آسيا، وبالتالي كانت تملك رابع أكبر منطقة استعمارية.
وكانت برلين قوة احتلال ليس فقط في ناميبيا، ولكن أيضًا في الكاميرون وتوجو وشرق أفريقيا الألمانية (تنزانيا) وفي تسينغتاو الصينية وجزر المحيط الهادئ.
وأدى حكم الألمان العنيف إلى انتفاضات وحروب.
ومع هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، جرى تقسيم مستعمراتها بين القوى المنتصرة.
aXA6IDMuMTUuNy4yMTIg
جزيرة ام اند امز