يدافع عن روسيا.. «مولود» جديد يهدد خارطة السياسة بألمانيا
ألقت باللوم على الغرب في حرب أوكرانيا، وعارضت العقوبات على روسيا، لتزيح الستار أخيرا عن "مولودها الجديد"، في خطوة قد تزيد من تفتيت سياسة ألمانيا.
إنها النائبة اليسارية الشهيرة سارة فاغنكنيشت (54 عاما)، الزعيمة المشاركة السابقة لحزب اليسار، وريث الحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية، التي أعلنت بالأمس، عن تأسيس حزب يحمل اسمها.
وقالت فاغنكنيشت، في مؤتمر صحفي، أمس، "قررنا تأسيس حزب جديد، لأننا واثقون بأن الأمور كما هي عليه الآن لا يمكن أن تستمر على هذا النحو".
وعرضت تفاصيل جمعية تحمل اسمها يفترض أن تفضي إلى قيام الحزب الجديد الذي يدور في فلك هذه الشخصية المعروفة والمثيرة للجدل في ألمانيا.
وتُعد فاغنكنيشت لهذا الأمر منذ أشهر، وأكملت أمس الإثنين، أهم خطوة في هذا الطريق، عبر إكمال انسحابها و9 نواب موالين لها، بينهم زعيمة الكتلة البرلمانية لحزب اليسار النائبة أميرة محمد علي من أصول مصرية، من حزب اليسار، وريث الحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية.
وتتولى أميرة محمد علي رئاسة الجمعية التي أعلنت فاغنكنيشت تأسيسها، وسينبثق الحزب الجديد عنها، فيما ستشغل الأخيرة عضوية مجلس إدارة الجمعية.
لكن السؤال المطروح بقوة الآن: ما هو تأثير هذا الحزب على السياسة الألمانية؟
ومن المقرر أن يبدأ الحزب الجديد "تحالف سارة فاغنكنيشت" مطلع عام 2024، عمله بشكل رسمي، ويخوض مرشحوه انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران 2024.
وقبل ذلك، يجب على "تحالف سارة فاغنكنيشت" القيام بالأعمال التحضيرية وجمع التبرعات، بعد أن تم بالفعل تسجيل الجمعية المنبثق عنها الحزب، بشكل قانوني.
وكتبت الجمعية على موقعها الذي انطلق حديثا على الإنترنت، "لقد فقد الكثير من الناس الثقة في الدولة بألمانيا، ولم يعودوا يشعرون بأنهم ممثلون في أي من الأحزاب القائمة".
لكن اللافت أن الحزب المنتظر سيجمع بين مواقف من أقصى اليسار مع تلك من أقصى اليمين، بمعنى أنه يدعو لإعادة توزيع الثروة وإصلاح النظام الاقتصادي الذي يفيد فقط الأغنياء، لكنه في نفس الوقت سيدعو لوضع حد لتدفق اللاجئين.
السياسي اليساري جريجور جيسي لخّص مواقف الحزب المنتظر بقوله، "إن فاغنكنيشت تريد المزج بين السياسة الاجتماعية التي يتبناها حزب اليسار، وسياسة اللجوء من حزب البديل من أجل ألمانيا (يمين متطرف)".
وسبق لفاغنكنيشت أن قالت في تصريحات صحفية إنه "لم يعد كثير من الناس يشعرون بأنهم ممثلون في أي حزب، ويصوتون لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا بسبب اليأس.. أعتقد أنه سيكون من الجيد أن يكون لهؤلاء الأشخاص عنوان حسن السمعة مرة أخرى".
وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه في ظل أزمة تكلفة المعيشة، والحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، وتصاعد السخط من ائتلاف يسار الوسط بزعامة المستشار أولاف شولتز، يمكن أن يفوز "تحالف سارة فاغنكنيشت" بما يصل إلى 20% من التصويت الوطني.
حسابات الربح والخسارة
أول المتأثرين بهذا الحزب سيكون حزب اليسار، الذي من المنتظر أن يفقد قدرته على دخول البرلمان الألماني في الانتخابات المقررة 2025.
إذ يشترط أن يحصل الحزب على 5% من الأصوات (عتبة قانونية)، والحزب حاليا ممثل في البرلمان بـ5% فقط من الأصوات في الانتخابات الماضية.
وتعليقا على الضيف الجديد، قالت رئيسة حزب اليسار جيلين فيسلر، إن الحزب لن يتم حله، مضيفة: "قد نفقد مكانتنا ككتلة برلمانية (في البوندستاغ). وهذا أمر مؤسف. لم أكن أريد ذلك، لكن سارة فاغنكنيشت والأشخاص الذين يؤسسون حزبا جديدا هم وحدهم المسؤولون عن ذلك".
الخطر لا يتوقف على اليسار، إذ أظهر استطلاع حديث أجراه معهد إنسا لصالح صحيفة "بيلد" الألمانية، أن 27% من الناس في ألمانيا يتصورون التصويت لحزب فاغنكنشت في الانتخابات المقبلة.
ويتطلب حصد جميع أصوات هذه النسبة المرتفعة للغاية، من الحزب الجديد، أن يترجم أفكاره في برنامج حقيقي، ويتوقف عن ما إذا كان قادرًا حقًا على ترسيخ نفسه وتنظيم نفسه على الصعيد الوطني.
وفي هذا الإطار، يبرز متضرر جديد بشكل مباشر من تأسيس الحزب، وهو حزب البديل لأجل ألمانيا الذي حقق قفزات تاريخية في استطلاعات الرأي في الفترة الماضية ووصل إلى 22% من نوايا التصويت مؤخرا.
إذ يتبنى الحزب الجديد أفكارا تنافس حزب البديل لأجل ألمانيا، مثل مناهضة الهجرة واللجوء، ورفض العقوبات الغربية عن روسيا، لكنهما يختلفان في المنطلقات الاقتصادية.
ووفق استطلاع إنسا الذي طالعته "العين الإخبارية" في صحيفة بيلد، فإن حزب البديل لأجل ألمانيا سيفقد خمس نقاط كاملة لصالح الحزب الجديد، في حالة إجراء الانتخابات التشريعية الآن، أي قبل أي حملات انتخابية أو ترويج للحزب الجديد.
الاستطلاع أظهر أيضا، أن 12% من الألمان حسموا موقفهم بالفعل، وصوتوا لصالح حزب فاغنكنيشت، في حين تراجع حزب البديل لأجل ألمانيا من ٢٢% إلى ١٨%.
ثالث المتأثرين بالحزب الجديد، هو الاتحاد المسيحي متصدر استطلاعات الرأي، الذي خسر نقطة ونصف النقطة بعد ظهور الحزب الجديد، إذ أظهر الاستطلاع حصوله على 26.5% مقابل ٢٨% في استطلاع الأسبوع الماضي.
حزب المستشار أولاف شولتز، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، خسر نقطة، وحل في المرتبة الثالثة بـ15.5% من نوايا التصويت، يليه حزب الخضر بـ12.5%، ثم فاغنكنيشت بـ12%.
وفي ضوء هذه الأرقام الجيدة السريعة، فإن حزب فاغنكنيشت يملك فرصة لإحداث انقلاب في السياسة الألمانية، والقفز إلى صدارة الأحزاب إذا استطاع تعبئة جميع الـ27% المنفتحين على إمكانية التصويت للحزب في الانتخابات المقبلة.
ووفق مراقبين، فإن الشعبية التي تحظى بها فاغنكنيشت بعد مواقفها الرافضة لما تسميه الحرب الاقتصادية على موسكو، تظهر غضب قطاع كبير من الألمان من مواقف الحكومة وقطاع كبير من المعارضة الداعمة لكييف، وفق مراقبين.
فاغنكنيشت كانت قد هاجمت في المؤتمر الصحفي، أمس، حكومة يسار الوسط برئاسة أولاف شولتز والتي تضم ائتلافا بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر والليبراليين.
وقالت إن "لدى جمهورية ألمانيا الفيدرالية (اليوم) أسوأ حكومة في تاريخها تتصرف بشكل غير محترف ومن دون هدف"، منددة بتسليم أسلحة لأوكرانيا وفرض عقوبات اقتصادية على موسكو، تحرم ألمانيا، البلد الصناعي الذي يفتقر إلى المواد الأولية، من الحصول على طاقة رخيصة.
وأضافت “لم يعد الكثير من الناس يعرفون لمن يصوتون، أو يصوتون لليمين بسبب الغضب واليأس. لا يمكن أن تستمر الأمور على هذا النحو. وإلا فإننا ربما لن نعترف ببلدنا في غضون 10 سنوات”.
aXA6IDEzLjU4LjQwLjE3MSA= جزيرة ام اند امز